الذكاء الاصطناعى والبيئة
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 1 يناير 2022 - 9:20 م
بتوقيت القاهرة
تستضيف مصر فى نوفمبر 2022 مؤتمر التغير الحرارى (COP 2022) وهى فرصة جيدة لنناقش هذا الموضوع، الاحتباس الحرارى مشكلة بيئية كبيرة تواجه العالم أجمع نتيجة إهمال دول العالم خاصة الدول المسماة بالمتقدمة لزيادة انبعاث ثانى أكسيد الكربون الناتج عن المصانع واستخدام الوقود البترولى (أو الأحفورى بشكل عام)، كل هذا يؤدى إلى زيادة فى متوسط درجات الحرارة، هذا التغير فى درجات الحرارة هو الأسرع فى تاريخ البشرية، ونقول البشرية لأن السبب الأساسى فى الاحتباس الحرارى هو الإنسان والتلوث الذى يسببه، هذا الاحتباس الحرارى تسبب فى خسارة تقدر بمليارات الدولارات نتيجة الفيضانات التى سببها فى 2021 فقط، إذا فالموضوع جد خطير وليس مجرد رفاهية. عنوان المقال يذكر الذكاء الاصطناعى فما هى العلاقة؟ الحقيقة أن الذكاء الاصطناعى له تأثير سلبى وله تأثير إيجابى، فما هى القصة؟
لنبدأ بالتأثير السلبى، حتى يتسنى لبرمجيات الذكاء الاصطناعى القيام بعملها يجب أولا تدريبها بكميات كبيرة من المعلومات حتى تستطيع بناء نموذج (model) تستخدمه فى القيام بالمهمة التى تم تدريبها عليها مثل تحليل صور الأشعة الطبية أو التنبؤ بتغير أسعار أسهم معينة بالبورصة إلخ، هذه تبسيط مخل لكنه يصل بنا للنقطة المهمة وهى بناء النموذج، هناك نماذج عملاقة كثيرة بنتها برمجيات الذكاء الاصطناعى وكلمة «عملاقة» تعنى أنها تحتاج كمية كبيرة جدا من الطاقة حتى تقوم أجهزة كمبيوتر عملاقة بالقيام بالحسابات الكثيرة المتعلقة بهذا النموذج، حجم تلك الحسابات يتضاعف تقريبا كل أربعة أشهر، وهذا أدى إلى زيادة الطاقة التى تحتاجها أجهزة الكمبيوتر التى تقوم بتلك الحسابات أكثر من 300 ألف ضعف من سنة 2012 وسنة 2018، هذه الطاقة يتم توليدها فى أغلب الأحيان حتى الآن على الأقل باستخدام المواد البترولية وبالتالى تزيد من انبعاث ثانى أكسيد الكربون، من أشهر الأمثلة للشركات التى تستخدم برمجيات ذكاء اصطناعى ضخمة وتحتاج طاقة هائلة شركة نتفليكس التى تقترح عليك مشاهدة أفلام أو مسلسلات معينة تبعا لما تشاهده، وإذا استمر الأمر على هذا المنوال سيكون للذكاء الاصطناعى تأثير سيئ جدا على تفاقم مشكلة الاحتباس الحرارى، لذلك هناك مجهودات بحثية كبيرة لتصميم أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة «خضراء» أى تقلل من استخدام الطاقة دون تقليل السرعة قدر الإمكان.
هذا عن التأثير السلبى فماذا عن التأثير الإيجابى للذكاء الاصطناعى فى مجال البيئة؟
ما لا يمكن قياسه لا يمكن تحسينه، هذه المقولة تنطبق بشدة على سعى الكثير من الشركات الكبيرة للتقليل من انبعاثها الكربونى عن طريق التقليل من استخدام الطاقة وتحسين كفاءة مصانعها وأجهزتها، حتى تتمكن تلك الشركات من قياس انبعاثاتها الكربونية ومن تقليل تلك الانبعاثات فإنها تستطيع استخدام برمجيات للذكاء الاصطناعى تحلل الكثير من بيانات الشركة وتعطى قياسا لكفاءتها فيما يتعلق بالطاقة بل وكيفية تحسين تلك الكفاءة، شركة (CO2 AI) وهى فرع من شركة الاستشارات BCG هى مثال على الشركات التى تصمم برمجيات الذكاء الاصطناعى التى تساعد الشركات الأخرى على تحسين موقفها فيما يتعلق بالبيئة.
الذكاء الاصطناعى يساعد أيضا فى بناء نظم محاكاة للانبعاث الحرارى وتأثيره على البيئة حتى تستطيع الجهات المعنية معرفة ما إذا كنا نسير فى الاتجاه الصحيح أم لا وأيضا تستطيع برمجيات الذكاء الاصطناعى اقتراح حلول لكل شركة لتقليل انبعاثاتها كما أشرنا.
على الخريطة السياسية نرى حربا فى العلن أحيانا وفى الخفاء أحايين بين الدول الكبرى خاصة أمريكا والصين فيما يتعلق بمشكلة الانبعاث الحرارى، فأمريكا تتهم الصين بعدم اهتمامها بالبيئة واستخدامها وقودا مضرا بالبيئة مثل الفحم، والصين بالرغم من تعهداتها بتقليل الانبعاثات الكربونية فإنها تتهم أمريكا بأنها أصل المشكلة عندما توسعت فى التصنيع حتى أصبحت دولة عظمى والآن تمنع الصين من عمل المثل، والواضح أن الدول فى الغالب تهتم بتقدمها وتكيل الاتهامات للدول الأخرى لذلك الأفضل الآن هو تدريس تلك المشكلة البيئية وأختها المتعلقة بتدوير النفايات للأجيال القادمة لأنهم سيرثون كرة أرضية منهكة، كما يجب دفع الشركات الكبرى لتحسين كفاءاتها فيما يتعلق بتلك المشكلات.
سيكون من الجميل جدا أن نرى مواد تعليمية للشباب عندنا فى مصر وتوسع فى مشاريع التخرج ورسائل الماجستير والدكتوراه المتعلقة بالبيئة والطاقة وتدوير النفايات، وفى كليات الهندسة والحاسبات نرى أبحاثا عن تصميم أجهزة كمبيوتر «خضراء» أى صديقة للبيئة، بل وكتابة برمجيات خضراء، نعم هناك برمجيات تساهم فى تقليل الطاقة.