مشكلة الديمقراطية

عمرو خفاجى
عمرو خفاجى

آخر تحديث: الجمعة 1 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

أكثر ما يلفت الانتباه فى المشهد الحالى، الحديث عن الانتخابات البرلمانية المقبلة، بالرغم من ان الانتخابات ليست من القضايا المطروحة على الاجندة الرئيسية للاحداث، او على الاقل ليست من بين العناوين الكبرى لما تشهده مصر الآن، وان كان من بين احد اهم اسباب الغضب الذى بدا واضحا قبل ٢٥ يناير الماضى هو ما حدث لقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون الانتخابات البرلمانية، وكان من المدهش انه فى اطار التهدئة العامة الاعلان عن تعديلات كانت المعارضة قد طلبتها ولم تستجب اليها الاغلبية اثناء الاعداد والموافقة على القانون فى مجلس الشورى.

 

وعندما سألت احد قادة الاحزاب التى توافق احيانا وتعترض احيانا، عن الجهود التى يبذلها لطرح مبادرات للتهدئة، عبر اجتماعات خاصة، اتفق على عدم الاعلان عنها، حدثنى قليلا عن الازمة الحالية، ثم تحدث باستفاضة عن توافقهم على ضرورة ترك مقاعد لرموز العمل الوطنى فى الانتخابات المقبلة، بمعنى عدم المنافسة بدوائر معينة من اجل ضمان وصول هذه الرموز للبرلمان، وطبعا من اعتبروهم «رموزا» يرجع إلى تقديراتهم الشخصية.

 

اذن الانتخابات، باعتبارها آلية ديمقراطية، تظهر بوضوح كجزء اصيل مما تعانيه مصر الآن، خاصة اذا اضفنا إلى ذلك تفسير عدم رغبة الرئيس فى تبديل الحكومة، بأن الوزارات الخدمية التى تلعب دورا مهما فى اجتذاب اصوات الناخبين يقودها الآن رجال حزب الحرية والعدالة او اعضاء بارزون فى الجماعة، وهى امور تعنى ان الاهداف الحقيقية لتحركات قادة السياسة ورجال الحكومة كلها تصب فى اتجاه واحد ووحيد اسمه الانتخابات.

 

فى اطار ذلك، تأجل الدولة، عبر قياداتها ومسئوليها التنفيذيين، اتخاذ اية قرارات ضرورية للاصلاح، حتى ولو كانت عاجلة، اذا ما كانت قد تغضب الجماهير التى هى الاصوات التى تحسم اسماء الفائزين فى الانتخابات، وعلى العكس ايضا تتخذ الدولة قرارات غير صائبة، ربما يعانى منها اقتصاد البلاد بعد ذلك، من اجل ارضاء الاصوات، حتى لو تطلب الامر البدء فى بناء مدارس او مستشفيات غير مدرجة فى الخطة الاستثمارية للدولة وربما لن يتم استكمال العمل بها، او حتى لو تم استكماله لن تقدر الادارات المختلفة على تشغيل هذه الابنية الخدمية، وقد فعل الحزب الوطنى ذلك كثيرا طوال سنوات حكمه، خاصة فى طرق تم انفاق الملايين عليها ولم تستكمل حتى كتابة هذه السطور.

 

وللامانة، هذا لا يحدث فى مصر فقط، بل امر معروف ومتعارف عليه فى معظم دول العالم، بما فيها اعتى الديمقراطيات، فعام الانتخابات فى الولايات المتحدة الامريكية هو عام خامل بلا اى قرارات كبرى، او عام القرارات الضارة مثل اعلان الحروب على ما تسميه الارهاب حماية لأمن امريكا والامريكيين، او التوقف عن الحروب والانسحاب من المناطق الساخنة حماية لحياة امريكا والامريكيين.. المهم دائما اصوات الناخبين، وما يحدث فى انجلترا وفرنسا لا يختلف كثيرا، حتى ان النخب الثقافية والاكاديميين هناك يكرهون عام الانتخابات ويطلقون عليه عام الاكاذيب، وفى فرنسا يطلقون على هذا العام تحديدا «عام مشكلة الديمقراطية» او «انها ايام تسديد فاتورة الديمقراطية»!.

 

ربما نقبل ذلك فى مصر بعد سنوات، وربما سنستمتع وقتها بهذا العام، والأكيد اننا سنطلق اوصاف وتسميات ألطف كثيرا مما يطلقه الفرنسيون او الانجليز، اما الآن فإن مصر واقتصادها لا يتحملان مثل هذه الرفاهية، ولا رفاهية الاختلاف السياسى، مصر فى حالة ثورة يجب ان تعرف الانجاز وحلول المشكلات، حتى ولو كانت مرة، الاختلاف يجب تأجليه لمصلحة التوافق الذى صار وجوده، مسألة قيام او سقوط هذا البلد، على وعد بأن المستقبل سيسمح للجميع برفاهية الاختلاف فى العاب الانتخابات ورفاهية العبث فى عام دغدغة مشاعر الناخبين.. اما الآن فالمأزق اصعب بكثير مما يتخيل الراغبون فى الاختلاف او اللاعبون بمقدرات شعب طيب مسكين نخاف، جدا، ألا يصبح طيبا ولا مسكينا، فالعاقبة ستكون اكثر ايلاما مما تتصورون.

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved