الشرق الأوسط ــ لندن: أبعد من المناخ
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 فبراير 2022 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب نجيب صعب، يقول فيه إن قضايا المناخ والأوبئة احتلت أجندة التحديات العالمية مما أنسانا قضايا أخرى لا تقل أهمية وهى القضايا البيئية الحساسة. داعيا إلى استغلال مؤتمر المناخ الـ27 فى مصر وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لمراجعة المسار فى العمل الدولى البيئى... نعرض منه ما يلى:
كاد الحديث عن الأوبئة والمناخ عام 2021 يُنسينا قضايا أخرى فائقة الأهمية للحياة على الأرض. صحيح أن جائحة «كورونا» وتجلياتها المتواصلة وضعت البشر أمام أبرز التحديات الصحية فى هذا العصر. وصحيح أن آثار التغيُر المناخى أصبحت حقيقة واقعة تهدد الوجود الإنسانى برمته. لكن لا يجوز أن يؤدى الاهتمام بهذه العناوين الكبرى إلى إهمال قضايا بيئية حساسة لها تأثير مباشر، وبعضها من المسببات الرئيسية لتفشى الأوبئة وتغيُر المناخ، خاصة ما يرتبط منها بالتلاعب فى التوازن الدقيق بالأنظمة الطبيعية.
وقد انتقل تركيز وسائل الإعلام على «كورونا» والمناخ إلى دوائر القرار، فلم تحظَ بعض القضايا الأخرى بالاهتمام الذى تستحقه على مستوى السياسات الحكومية. ومن هذه القضايا الأنواع الحية المهددة بالانقراض، والتلوُث، والعدالة البيئية، وتعديل الأنماط الاستهلاكية لتحقيق الاستدامة.
• • •
التنوُع الحيوى فى أزمة، ومن المأمول أن يوضع فى أولويات جدول الأعمال فى 2022. لتجنيب أنواع حية متعددة خطر الاضمحلال. فالأنواع التى كانت معرضة للانقراض عام 2021 شملت 30 فى المائة من الأشجار و50 فى المائة من السلاحف و20 فى المائة من الطيور، فى حين انقرضت بعض الأنواع كليا. وفى حين ستجتمع 190 دولة فى الصين فى أبريل المقبل، تحت مظلة الأمم المتحدة، لإقرار اتفاقات دولية لحماية الطبيعة والتنوُع البيولوجى، فمن غير المنتظر أن ينجح المؤتمر فى وضع حد لهذا المسار الانحدارى. لذا من الضرورى الضغط لاعتبار الحفاظ على التنوُع الحيوى وتوازن الطبيعة عاملا أساسيا فى التصدى لانتشار الأوبئة ومسببات تغيُر المناخ.
النفايات البلاستيكية ودورها فى تدهور الموائل الطبيعية الأرضية والمحيطات، كما أثرها على الصحة فى الأرض والبحر والهواء، قضية ملحة للسنة الجديدة، خاصة عندما نذكر أن التصدى لجائحة «كورونا» تسبب فى السنتين الماضيتين بزيادة كبيرة فى فضلات البلاستيك ذى الاستعمال الواحد. العمل السريع يجب أن يكون فى الولايات المتحدة، التى تنتج نفايات بلاستيكية تتجاوز ما تنتجه الدول الأوروبية مجتمعة، وضعفى ما تنتجه الصين. وفى حين عارضت إدارة الرئيس ترمب وضع قيود جدية على استعمال البلاستيك، فمن المنتظَر أن يوافق الكونغرس على قوانين جديدة طرحتها إدارة الرئيس بايدن.
أحداث الطقس المتطرفة، التى كانت طاغية عام 2021. من المتوقَع أن تستمر فى 2022 وما بعدها. وهذا يشمل الفيضانات والأعاصير وموجات الجفاف، التى تبين أن التغيُر المناخى كان مسئولا عن 70 فى المائة منها. هكذا يغدو ضروريا التركيز على مضاعفة الاستعدادات لمواجهة الكوارث الطبيعية، وتحسين القدرة على التكيُف معها، بما فى ذلك بناء المصدات والحواجز لوقف ارتفاع المياه، ووضع شروط صارمة لأنظمة البناء فى الأراضى المنخفضة، واستخدام مواد بناء بديلة أكثر قدرة على تحمُل الحرارة، وتطوير تصاميم ملائمة للبنى التحتية تمنحها المناعة والمرونة. وقد اعترفت قمة غلاسكو المناخية بهذا، حين ضاعفت قيمة التمويل لنشاطات التكيُف وبناء القدرات، بدلا من تخصيص معظم الموازنات والبرامج لتخفيف الانبعاثات.
ومع التوسع الكبير فى برامج الطاقة المتجددة من الشمس والرياح، وإنتاج السيارات الكهربائية، والحاجة إلى تخزين الكهرباء المنتجة فى بطاريات، من الضرورى وضع معايير مشددة للصناعات الجديدة. فالألواح الشمسية وتوربينات الرياح العملاقة، كما البطاريات، تحتاج إلى كميات هائلة من المواد الأولية. فمن أين نحصل على «الليثيوم» و«الكوبالت» للبطاريات، مثلا، من دون إلحاق ضرر كبير بالطبيعة وتلويثها؟ وكيف يمكن استخراج هذه المواد، الموجودة بمعظمها فى دول نامية، مع الحفاظ على سلامة البيئة فيها وعدم المس بحقوق الإنسان والموائل الطبيعية للسكان الأصليين؟ وقد شهدت الكونغو، التى تضم أكبر مناجم «الكوبالت» فى العالم، وصربيا، الغنية بمعدن «الليثيوم»، تجارب سيئة أخيرا مع الشركات الاستثمارية متعددة الجنسيات.
ومن المتوقع أن تشهد سنة 2022 زيادة فى الاهتمام بتحصين قدرات الأنظمة الغذائية على مواجهة تحديات تغيُر المناخ. لكن هذا يبدأ بوضع حد للهدر فى الإنتاج والتخزين والتوزيع والاستهلاك. ومن المؤشرات الإيجابية إدخال الأنظمة الغذائية فى محور خاص للجمعية العامة للأمم المتحدة، مما عكس اهتماما متجددا على الصعيد الدولى. وفى المنطقة العربية، أطلقت الإمارات مبادرة لدعم الابتكار الزراعى المتوافق مع المناخ، فيما ضمنت مصر خططها برنامجا لتطوير قدرة صغار المزارعين على زيادة الإنتاج، فى وجه التقلبات المناخية. كما سيبحث مؤتمر للأمم المتحدة فى النصف الأول من هذه السنة برامج للحفاظ على قدرة المحيطات كمصدر أساسى للغذاء.
• • •
وعلى الطريق إلى قمة المناخ الـ27 فى شرم الشيخ نهاية السنة، من الضرورى البدء الجدى بتنفيذ الالتزامات التى وضعتها الدول لتخفيض الانبعاثات والتمويل المناخى، وفق برنامج عمل زمنى، فتكون القمة لعرض ما تحقق فعلا خلال 12 شهرا، لا التأجيل مرة أخرى. وقد يكون من أهم ما يجب العمل عليه قبل قمة شرم الشيخ الوصول إلى نتائج نهائية حاسمة فى الحوار حول موضوع «تمويل الخسائر والأضرار»، بعد تحديد عادل لدرجة المسئولية عن التخريب الذى تسبب فى التغيُر المناخى.
ومن المحطات البيئية المهمة لسنة 2022 اثنتان: فبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) يحتفل بذكرى تأسيسه الخمسين، مما يشكل فرصة للمراجعة وتصويب المسار فى العمل الدولى البيئى. أما الهيئة الحكومية العالمية المعنية بتغيُر المناخ، فتُصدر هذه السنة أهم تقاريرها العلمية وأكثرها شمولا، وذلك على ثلاث مراحل، ابتداء من فبراير وصولا إلى سبتمبر.
وقد تكون من أبرز ما شهدته بداية السنة نجاح الصين فى إنتاج حرارة من مفاعل للاندماج النووى هى الأعلى والأطول مدة، إذ تجاوزت 52 مليون درجة مئوية واستمرت 17 دقيقة، وهذا يساوى 5 أضعاف حرارة الشمس. والصين واحدة من 35 دولة فى العالم، بينها الولايات المتحدة والهند والدول الأوروبية، تعمل فى برامج تجريبية مشتركة لتطوير المفاعلات النووية الاندماجية لإنتاج الطاقة، فى محاولة لاستنساخ فيزياء الشمس. وخلافا للمفاعلات النووية الانشطارية، فالاندماج النووى لا يُنتج نفايات مشعة. وتبنى الدول المشاركة حاليا أكبر مفاعل اندماجى فى فرنسا، ليبدأ عمله الاختبارى سنة 2025.
صحيح أن الطاقة الاندماجية ما تزال فى بداية الطريق، لكنها تشكل فرصة واعدة للمستقبل. حتى ذلك الوقت، على العالم العمل لتطوير ما هو متاح، مع ترشيد الاستهلاك، للحفاظ على هذا الكوكب المهدَد.