«أعلى برج فى مصر»
إبراهيم عوض
آخر تحديث:
الأحد 1 مارس 2015 - 10:02 ص
بتوقيت القاهرة
خرجت علينا صحيفتنا الغرّاء، «الشروق»، بخبر مفاده أن مسئولا كبيرا صرّح بأن مشروعا ببناء «أعلى برج فى مصر» سيطرح على مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى الذى سينعقد فى شهر مارس المقبل. حسبما نشرته الصحيفة، سيرتفع هذا البرج مائتى متر عن سطح الأرض، وهو سيندرج فى إطار مشروع إدارى ترفيهى ينفذ على مساحة 190 فدانا غرب مدينة الشيخ زايد، أى غرب الجيزة والقاهرة أيضا، فى منطقة تتميز بارتفاع مستوى المعيشة، وعلى محور 26 يوليو مباشرة، أى على طريق رئيسى يكفل سهولة اتصال المشروع بالقاهرة. هذا المشروع، كما أعلن عنه، يستحق ملحوظات فى جوانب ثلاثة على الأقل تتعلق بفكرة المشروع والمبررات المقدمة لإثبات وجاهته أولا، وبمقاربة التنمية فى شقيها العمرانى والاقتصادى التى يكشف عنها المشروع ثانيا، وبمفهوم مجمل المشروعات المقدمة إلى المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ ثالثا.
•••
فى الجانب الأول قيل إن اتصال المشروع بالقاهرة سيكون سهلا لوقوعه على محور 26 يوليو. الاعتذار واجب للقراء من خارج القاهرة لأنه ليس المفترض فيهم معرفة مداخل المدينة ومخارجها، كما أن مؤتمر شرم الشيخ ليس مؤتمرا يخص القاهرة وحدها. أما وقد تقدم كاتب هذه السطور على الأقل بالاعتذار، فالتساؤل واجب. ألا يدرك المسئولون الخطأ الفادح المرتكب عند تعمير مدينة الشيخ زايد ومدينة 6 أكتوبر؟ مئات الآف يسكنون اليوم المجتمعات السكانية فى هاتين المدينتين وحولهما وهم يعدمون أى وسيلة للنقل المشترك، فلا خطوط مترو أنشئت ولا «أوتوبيسات» سيِّرت والنتيجة أن عشرات الآف من السيارات تسلك محور 26 يوليو المشار إليه فيقضون الساعات فى اختناقات مرورية وهم فى طريقهم إلى أعمالهم وقضاء مصالحهم ثم فى عودتهم إلى منازلهم. وقوع الطريق على محور 26 يوليو منفِر وليس جاذبا لأى مستثمر. ملحوظة ثانية هى أنه بدلا من المباهاة بارتفاع دخول سكان مدينة الشيخ زايد والتلويح بها إغراء، كان الجدير بالمسئولين عن التعمير والإسكان أن يصمموا مشروعات الإسكان لمنخفضى الدخول ومحدوديها الذين يحتاجون إلى من يستثمر فى مساكن تفى بطلبهم عليها. ولأنهم أكثر بما لا يقاس من مرتفعى الدخول ولأن طلبهم بالتالى أكبر حجما بكثير من طلب مرتفعى الدخول، فإن المستثمر الجاد ذا الإمكانيات المالية والتقنية المعتبرة سيكون مهتما بطلبهم هم وليس بطلب مرتفعى الدخول. ألم يفكر المسئولون عن التعمير والإسكان فى ذلك، وألم يستشيروا الاقتصاديين؟ أليس المفترض فى المؤتمر الاقتصادى أن يكون من أهدافه الأولى رفع مستوى معيشة المحتاجين؟ وألم يكن حريا بالمسئولين عن الإسكان والتعمير، وبدلا من «أعلى برج فى مصر» أن يصمموا مشروعا بمد خط للمترو يخدم مدينتى الشيخ زايد وأكتوبر وأن يعرضوه على المستثمرين فى مؤتمر شرم الشيخ فيدمجوا المدينتين بذلك فى نسق الإنتاج الاقتصادى فى مصر؟ ولتحقيق نفس هدف الإدماج هذا، ألم يكن من الأفضل التفكير فى الاستثمار فى فتح طريق ثان يربط المدينتين بالجيزة والقاهرة؟
ثم إن مشروع «أعلى برج فى مصر» يثير تساؤلا بشأن المنطق الذى أدَى إلى تصميمه وإلى الافتخار به. الافتخار بالأبراج وارتفاعها من سمات دبى، ولكن هل نحن نريد أن نكون مثل دبى، بل هل من المصلحة أن نكون مثلها؟ لدبى ظروفها ومواصفاتها الخاصة. ربما كانت دبى تفخر الآن بارتفاع «برج خليفة» فيها ولكن الأصل فى ارتفاع البنايات فيها هو أن دبى صغيرة المساحة وهو ما استدعى تكثيف استخدام هذه المساحة بالتوسع الرأسى عوضا عن الأفقى. بالمناسبة هذا أيضا سرُ نشأة ناطحات السحاب فى جزيرة منهاتن بنيويورك، وهى جزيرة صغيرة المساحة، بينما لم تمتد ناطحات السحاب إلى القطاعات الأربعة الأخرى فى مدينة نيويورك. الشىء ذاته حدث فى الإمارات العربية المتحدة. البنايات شاهقة الارتفاع لم تنتقل إلى مدينة أبوظبى التى لا تبعد إلا كيلومترات عن دبى، بل احتفظت أبوظبى بنسق عمرانى هادئ تغلب فيه المساحات الخضراء والأبنية محدودة الارتفاع. صحراء شاسعة تمتد خلف مدينتى الشيخ زايد وأكتوبر، أليست الحكمة هى التوسع الأفقى فيها حتى تتسع الرقعة الضيقة التى ينحشر فيها المصريون وتوتر أعصابهم؟ ثم ألا يؤدى التكثيف الرأسى للسكان إلى ارتفاع أسعار الأراضى فيستحيل على محدودى الدخل ومتوسطيه تلبية احتياجاتهم فى السكن، وهو ارتفاع فى أسعار الأراضى، وبالتالى فى أسعار المساكن، يستهلك الادخار لدى أصحاب الدخول المرتفعة أنفسهم، على حساب الاستثمار فى أنشطة إنتاجية فى الصناعة أو فى الخدمات مرتفعة القيمة المضافة؟ هل المراد تكرار ما حدث فى أحياء من القاهرة والجيزة والإسكندرية، فأدى إلى تدمير البيئة الحضرية وإلى تشويه النمو وإلى انخفاض معدلاته فى منظور طويل الأجل؟
•••
الملحوظة الأخيرة بشأن المنهج المتبع فى التحضير لمؤتمر شرم الشيخ وفى إعداد المشروعات لعرضها على من يحضره من المستثمرين. المراقب يخرج بانطباع هو أن عددا كبيرا من الوزارات حريص على إعداد مشروعات والتقدم بها إلى المؤتمر لمجرد أن يكون جزءا من الحفل. ليس من المهم أن يتقدم عدد كبير من الوزارات بمشروعات إلى المؤتمر، والوزارات فى نهاية الأمر مسئولة عن صياغة السياسات وعن تطبيقها وليس عن إعداد المشروعات. أما المشروعات التى تقدم بالفعل فكان لابد أن تندرج فى نسق متماسك بحيث لا يحدث تنافس على الموارد المتاحة لدى المشاركين فى المؤتمر، وكذلك حتى لا تكون المشروعات منبتة الصلة فيما بينها، فمعروف أن المشروعات ذات الصلات الأمامية والخلفية بغيرها من المشروعات هى الكفيلة بتحقيق النمو المستديم فى نشاطها وفى الاقتصاد الوطنى عموما. وأخيرا فالرجاء هو أن تكون المشروعات المقدمة متفقة مع الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
بدلا من «أعلى برج فى مصر»، فالأمنية هى أن تتقدم وزارة التربية والتعليم فى المرة القادمة بمشروع لإصلاح التعليم باعتباره العامل الأول فى تحقيق التنمية، فبدون التعليم الراقى لا تنمية اقتصادية ولا اجتماعية ولا سياسية.