الجزائر وبوتفليقة.. والعرب وأوروبا
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 1 مارس 2019 - 11:00 م
بتوقيت القاهرة
الرئيس الجزائرى بوتفليقة له تاريخ ناصع فقد شارك فى شبابه فى تحرير الجزائر من قبضة الاستعمار الفرنسى الذى أذاق الفرنسيين الويلات وخلف وراءه مليون شهيد جزائرى دون شعور فرنسى بالذنب أو تعويض عن الضرر.
وبوتفليقة له حسنة كبرى لا ينكرها إلا جاحد وهى إنقاذ الجزائر وإخراجه من مستنقع الدماء الذى ولغت فيه فى «العشرية الدموية» التى قتل فيها وجرح أكثر من 170 ألفا من الجزائريين، ما بين إسلاميين وضباط وجنود شرطة وجيش وسكان محليين، وذلك بعبقريته الفريدة التى تمثلت فى سن وتفعيل «قانون الوئام المدنى» الذى استلهم فكرته من مبادرة منع العنف التى تمت فى مصر فى أواخر التسعينيات والتى كانت رائدة فى العالم العربى كله، والتى قادها العبقرى اللواء «أحمد رأفت» مع قادة الجماعة الإسلامية.
وقانون الوئام المدنى يمثل نموذجا للمصالحة الوطنية دون إخلال بالقانون ولا هضم للحقوق، ويمثل نموذجا راقيا لحقن الدماء من جهة ووقف الإرهاب والتطرف من جهة أخرى مع الحفاظ على سيادة الدولة وحقوق الإنسان.
واليوم يشهد العالم كله تدهور صحة بوتفليقة بدرجة خطيرة منذ سنوات فهو لا يستطيع الحركة إلا على كرسى متحرك،ويمكث معظم أيامه فى مستشفيات أوروبا، ولا يملك جديدا حقيقيا يقدمه لنفسه فضلا عن الجزائر.
ورغم ذلك يصر على ترشيح نفسه لولاية خامسة دون سبب منطقى، ودون أى قدرة على ممارسة مهامه وهذا لا يحتاج لطبيب للحكم عليه بل هو مشاهد للعامة والخاصة.
وهذا الإصرار يضر بوتفليقة قبل أن يضر الجزائر، ويهيل التراب على تاريخه وانجازاته، ويجعل الكثيرين من شعبه يكفرون بانجازاته وإلهاماته التى صنعها فى شبابه وحيويته.
وهذا يذكرنا بالسنوات التى أدار فيها الرئيس التونسى الأسبق الحبيب بورقيبة،حكم بلاده سنوات رغم إصابته بالزهايمر وعدم معرفته بمن حوله فضلا عن شئون الحكم، وإطلاق يد زوجته ثم شقيقته بعد طلاقه لزوجته فى شئون الحكم حتى قام رئيس وزرائه وذراعه الأيمن زين العابدين بن على بالإطاحة به.
اللاعب الجيد فى ملاعب الكرة هو الذى يودع الملاعب قبل أن تطرده الجماهير وعليه أن يترك الملعب والجماهير تتيه به حبا وتسعد بمشاهدته وتتوق إلى رؤيته وهو يصول ويجول، فإذا تأخر عن الموعد كثيرا فإن الملاعب والأهداف والجماهير ستتركه قبل أن يتركها وستهيل التراب على تاريخه.
والحاكم كاللاعب عليه أن يترك ملعب السياسة إذا لم يستطع أن يصول ويجول ويحرز أهدافا رائعة فى مرمى السياسة ويحقق لوطنه كل يوم مزيدا من العطاء والنماء والرخاء والأمن والأمان.
لمصلحة بوتفليقة الذى نحبه، والجزائر التى نعشقها عليه أن لا يكرر مآسى الآخرين ويتعلم من دروس التاريخ، وعليه ألا يقع فى نفس الحفرة التى وقع فيها غيره، ولا يلدغ من نفس الجحر الذى لدغ منه إخوته مثل مبارك والقذافى وغيرهما.
فلو أن مبارك نقل السلطة مبكرا فى أواخر التسعينيات مثلا لشخص من داخل النظام لجنب البلاد والعباد كل هذه الثورات والدماء والصراعات والأحقاد والحرائق فى النفوس والجماد.
أقوى ما قيل فى مؤتمر شرم الشيخ هى قولة الرئيس السيسى الصريحة للأوروبيين «إن ترك النزاعات فى ليبيا، وسوريا، واليمن، وسائر المناطق التى تشهد تناحرا، دون تسوية سياسية، لا يمكن إلا أن يمثل تقصيرا، ستسألنا عنه الأجيال الحالية والقادمة!. ولولا مقتضيات الدبلوماسية وأصول الضيافة، لكانت مصر قد واجهت الحاضرين من الجانب الأوروبى بأن الفوضى التى تأكل ليبيا يوما بعد يوم هى فى الأساس صناعة أوروبية، عندما جاءت قوات حلف شمال الأطلنطى الشهير بالناتو لتضرب ليبيا الدولة، لا لتضرب نظام القذافى الحاكم، كما تذرعت وادعت وقتها، فكان ما كان من أمر ليبيا التى تمزقت ولا تزال تتمزق بفعل تلك الخطوة الأوروبية الحمقاء منذ البداية».
والحقيقة أن التاريخ الأوروبى مع العرب تاريخ كله استعمار واستغلال وتقسيم وزرع لإسرائيل فى المنطقة العربية ومجاملة لها على طول الخط، وإغفال للحق العربى دائما وخاصة إذا كان متداخلا مع الشأن الإسرائيلى.
أما ما حدث بعد ثورات الربيع العربى فقد تعمدت أوروبا جعل ليبيا كالبيت الوقف أو المرأة المعلقة، فلا هى زوجة ولا هى مطلقة، فأوروبا هى التى تعطل توحيد ليبيا، وقد قالتها إيطاليا صراحة فى مواجهة فرنسا.
أوروبا أو على الأقل جزء منها «إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا» يرون تمزق ليبيا مصلحة لهم، ويريدونها هكذا لاستنزاف بترولها وثرواتها، وهم لا يريدون استفادة مصر منها حتى لا تقوى مصر.
أما سوريا فقد تعمدت أوروبا وأمريكا لمصلحة إسرائيل أن تتمزق سوريا ولا تصير دولة، فلا هى تركت الأسد ينتصر ويحسم المعركة، ولا تركت الثوار ينتصرون ويحسمون المعركة وهى سعيدة بتقسيم سوريا، وكل ذلك لمصلحة إسرائيل.
حتى معركة أوروبا وأمريكا مع إيران ليست لخدمة العرب أو لمصلحتهم كما يتوهم العرب عامة والخليج خاصة، ولكن لخدمة إسرائيل بتحطيم أكبر عدو لها فى المنطقة وأكثرهم عدة.
وقد تكرر ذلك مع العراق، وظن الخليج الطيب أن الغرب يضرب العراق لأنه عدوهاكلا، الغرب يكذب ويخادع عادة، وهو يريد أن تكون إسرائيل وحدها سيدة المنطقة بلا منازع سياسيا واقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا، وهو يريد اليمن مقسما، وكذلك العراق.
الغرب ليس ملاكا مع أن شعوبه طيبة ومسالمة، أما سياساته فهى كالشيطان الذى لا يحترم إلا الأقوياء الموحدين والأسوياء الذين يحترمون شعوبهم فيتحول ساعتها إلى ملاك معه.
خالص العزاء لأسر شهداء قطار رمسيس «رحمهم الله» فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديثه الشريف أن «صاحب الهدم شهيد» ويقاس عليه حوادث القطارات والسيارات وكذلك المحروق.. كلهم شهداء بإذن الله، وأطيب التمنيات والدعوات بالشفاء العاجل للمصابين والجرحى والمكلومين، ولا عزاء للإهمال والتسيب، ومصر والمصريون يستحقون سككا حديدية أفضل وأحدث وأرقى من ذلك بكثير.