في المسألة العقارية.. فقاعات نوعية وفئوية
وائل زكى
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 مارس 2022 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
تخيل أن فى جيبك نقودا كثيرة وأن جيبك قد تضخم بالنقود، وزادت عن احتياجاتك الضرورية لبيتك وعملك، فماذا أنت فاعل بها؟، هنا مفترق اتجاهات لاتخاذ القرار، قد تودعهم فى بنك أملا فى الفوائد، أو تستثمرهم فى مشروع أملا فى المكسب، أو تقرر أن تشترى أصولا عقارية أو معادن كالذهب وغيره ليزيد ثمنها مع الوقت، أو تقرر صرفها فى تطوير أسلوب حياتك وتحقيق بعض أمنياتك الاستهلاكية والاجتماعية، قرارك الذى تتخذه له أسبابه وعوامله وتأثيراته الفردية والمجتمعية، كذلك يتأثر القرار بسلوكيات الفرد، فقد يشاع أو يستشعر أو حتى يتأكد من وجود أزمة فى توافر سلعة فيشترى منها أضعاف احتياجه، والمشكلة تبدأ عندما يكون ذلك الفعل جماعيا وليس فرديا، بالتأكيد سيزيد سعر السلعة أضعافا على قدر تضاعف الطلب عليها، تبعا لقاعدة العرض والطلب.
ولكن ليس جميعنا لديه هذا التضخم المالى فى جيبه، إذا فالظاهرة ليست عامة بل فئوية، هناك من يملك المال بتضخم فيلجأ لاستثمار أمواله فى أبسط الطرق وأكثرها طلبا عليها فتزيد أسعارها، مثلا إذا وجد استثماره فى الصناعة أو التجارة فى شيء ما مربح عن إيداع المال فى البنك فسوف يتوجه إلى الإنتاج أو التجارة، وإذا لم يكن لديه خبرة فى مجال صناعى أو تجارى سيبحث عن اقتناء أصل يزيد ثمنه مع الزمن، كشراء عقار أو شراء ذهب خاصة إن تلك الأشياء لن تحتاج خبرة، كما أن العقار يمكن استغلاله بالتأجير فترة اقتنائه، فيصبح شراء العقار خيارا مثاليا لا يحتاج خبرة وثمنه فى زيادة مطردة ومتوافر بمستويات عديدة، وتصير المبانى السكنية لغير سد حاجات السكن وإنما أحد أوجه الاستثمار المالى مثل الاستثمار المالى باقتناء الذهب أو حتى اقتناء أسهم فى البورصة بل أفضل منهما لمن ليس لديه خبرة بالتداول.
• • •
ولا يعد هذا الاقتناء العقارى فى الواقع استثمارا عقاريا بالمعنى العائد على القطاع العقارى بتوفير وحدات للسكن، فالأرقام تشير إلى توفر وحدات سكنية تكفى الطلب وتزيد، ولكن هناك أعدادا ضخمة منها خارج الخدمة العقارية لصالح الاستثمار المالى فيها، ويظل الطلب قائم.. ترى كم نحتاج من الوحدات السكنية ليكفى شعبنا البالغ تعداده حوالى 102 مليون نسمة؟ بحساب متوسط عدد أفراد الأسرة المصرية ونسب الحيازات المتعددة للأسرة الواحدة واستخدامات الإقامة المؤقتة للعمل والدراسة والمصيف، فإننا نظريا نحتاج حوالى 30 مليون وحدة سكنية، فما بالك بأن لدينا حوالى 45 مليون وحدة سكنية، منها ما يقدر بين 8 إلى 15 مليون وحدة سكنية خالية مشطبة وغير مشطبة، وهناك ما يقرب من 15 مليون وحدة عقارية أخرى لأغراض غير سكنية؛ حيث كان آخر تسجيل لعدد الوحدات العقارية فى مصر طبقا لتصريح المتحدث باسم مصلحة الضرائب العقارية بلغ 58 مليون وحدة عقارية، أى أنه قد تتساوى الوحدات السكنية المستهدف بها استثمار مالى مع الوحدات العقارية المبنية المستهدف بها إدارة الاقتصاد.
ويتناسب الطلب على الوحدات السكنية فى الواقع مع عدد الزيجات السنوية الذى بلغ حوالى نصف مليون عقد زواج، هذا طلب سنوى واقعى أضف إليه الطلب العائد إلى رغبات الارتقاء الاجتماعى فى السكن ورغبات تبديل السكن من القديم الآيل إلى الحديث، وغير ذلك مما يشكل فى مجمله ما لا يقل عن 600 ألف وحدة سكنية مطلوبة سنويا، هذا حجم طلب يقابله حجم معروض مضاف سنويا قد يصل لثلثى المطلوب مع جهود حكومية حثيثة للوصول لطرح نصف مليون وحدة سنويا تغطى الطلب الأساسى، تلك الأرقام جميعها تشير إلى وجود فجوات بين الموجود ومعظمه غير معروض وبين المطلوب وليس كله متاح، فقطاع كبير من شباب الباحثين عن السكن لا يستطيعون الحصول عليه سواء لعدم القدرة المالية أو لعدم كفاية المعروض الحكومى حتى الآن، فى حين يوجد وحدات يتم شراؤها بغرض الاستثمار المالى فيها بدعوى الاستثمار العقارى، والغرض منها تحقيق عوائد مالية بإيجارها أو تسقيعها لإعادة بيعها وتحقيق أرباح.
• • •
تلك الفجوات بين العرض والطلب وبين القدرة الشرائية والمعروض من السلع حيث يتحول العقار إلى سلعة تباع وتشترى وتخزن ويعاد بيعها، وبدون التشريح الدقيق للحالة العقارية التى تتداخل فيها الظواهر الاقتصادية بشكل معقد، فإن ما أسلفناه يشير إلى تضخم فى القطاع العقارى بشكل أو بآخر، فتزيد أسعار العقارات أرضا وبناءً، وتزيد أسعار خدماتها جميعها، وتكاليفها ومنها الأيدى العاملة التى تزيد تكلفتها لمواجهة متطلبات الحياة فى حين أن أحد متطلبات الحياة وهو السكن تزيد أسعاره تضخما استثماريا على تضخمه الاقتصادى العائد لعدم توازن العرض مع الطلب، ومع عوامل عديدة لضبط تكاليف الإنتاج العقارى وتخفيضه يظل تقدير الأسعار البيعية للوحدات العقارية مرهون بمستويات الأسعار السوقية للمعروض وليس بتكاليف إنتاجه مع تحقيق ربح معقول، ويظل فى ذلك صغار المستثمرين ممن يدخل مجال العقار مشتريا شقة سكنية بغرض إعادة بيعها هو فى خطر أن تصير وحدته فى وقت ما غير ذات جدوى استثمارية.
نتحدث هنا عن صغار المستثمرين فى ذلك المجال الذين أطمعهم تحقيق مكاسب مالية بفعل فجوة العرض عن الطلب، فأحدثوا تضخما فى القطاع فاجتذب المجال طامعين جدد وزادت أعدادهم، وهكذا يستمر الحال حتى ما إذا تحقق على التوازى نجاحا حكوميا فيما تسعى إليه الحكومة من مشاريعها الإسكانية مع تنوع مستوياتها وأعدادها، فيدخل المستثمرون الصغار أصحاب الشقق المغلقة لتسقيعها وإعادة بيعها فى فقاعات التضخم التى ما تلبث أن تنفجر ليسقط ما اختزنوه لزيادة أسعاره إلى هاوية سعرية قد تنخفض عن مستويات تشطيبها وخدماتها، وفى ذلك لن يتأثر القطاع الاقتصادى عامة فالبنوك لديها منظومة محكمة فى الإقراض الخاص فى هذا المجال وسياسات بنكية فى تحديد سعر الفائدة، والمشروعات الحكومية على مختلف مستوياتها تحقق أغراضها لذوى الاحتياج إلا ما ندر هنا أو هناك.
ولما كان القطاع العقارى على ضخامة حجمه الاقتصادى الذى قد يأتى بعد دخل قناة السويس لم يكن يجلب عملة صعبة، فكان دوره لتوفير السكن لراغبيه ويعمل به قطاع كبير من القوة العاملة المباشرة وغير المباشرة وفى قطاعات التخديم عليه من نقل ومستلزمات وغيره، وكان مصدر العملة الصعبة من خلاله تأتى من تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، ثم انفتح المجال للمستثمر غير المصرى لينتعش القطاع بقدرة كبيرة على الاستثمار فى إنتاج وحداته وأيضا دخول الراغبين من غير المصريين فى تملك العقار بمصر ليصبح القطاع لاعبا أساسيا فى الاقتصاد القومى، ومع سياسات ائتمانية وبنكية حكيمة تختلف عما كان سائدا بالولايات المتحدة الأمريكية مثلا مسببا فقاعة عقارية، ولتفاصيل تحليلية عديدة لا يتحملها مقال واحد، فإن المؤشرات الواقعية لا تشير للدخول فى فقاعة عقارية بالمعنى الشامل لها، بل ستنحصر فى شكل فقاعات صغيرة نوعية من المعروض وفئوية من صغار الملاك المستهدفين استثمارا ماليا من خلال بناء أو شراء عقارات لتسقيعها لمستقبل سيمتلئ بفقاعات صغيرة لن تؤثر سوى عليهم مادامت المنظومة الائتمانية محترزة لذلك.