عالم جديد على أكتاف إرهاب المضاربين والمتشددين
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 1 أبريل 2009 - 7:13 م
بتوقيت القاهرة
لا أدرى إن كانت مطالبة الرأى العام العالمى للرئيس باراك أوباما باتخاذ قرارات أشد حزما والتحرك بسرعة أكثر فيها ظلم له أم خدمة. أظن، وقد تثبت الأيام أو الأسابيع المقبلة أن ظنى كان موفقا.
إن المشكلات الراهنة أكثر بكثير وأكبر من قدراته الشخصية وقدرات الحاشية التى جاء بها وتلك التى جاءت به، بل لعلها أكبر وأشد تعقيدا من أن يتعامل معها بكفاءة مؤتمر العشرين الكبار المنعقد فى لندن.
أستمع بشغف إلى ما يقوله ويكتبه ويصرح به كبار السياسيين فى العالم منذ أن ظهرت ملامح الأزمة الاقتصادية، ففى الاستماع دروس قد لا تتكرر. أكاد أكون مقتنعا بأن الأزمة التى بدأت مالية ــ اقتصادية منذ شهور قليلة تتحول بسرعة لتصير أزمة سياسية عالمية.
ولا يحدث التحول بقفزات فجائية، أو يقتصر على جزء من العالم دون بقية الأجزاء، ففى كل بيت رئاسة وليس فقط فى البيت الأبيض قلق، بل توتر وخشية من أن تنهار مؤسسات دول، أو أن تنهار دول بكاملها.
أو أن ينفرط عقد تحالفات داخلية أو خارجية، أو تنفلت مشاعر العامة، ولا أقول الغوغاء، فتسود الفوضى. المؤكد فى كل الأحوال والظاهر لنا كافة هو المعدل المتسارع للتغير فى توازن القوى الدولية، والتبدل السريع فى منظومات السياسة الخارجية لعدد من الدول العظمى وكذلك المتوسطة القوة، بعض هذا التبدل أخذ أسلوب أو عنوان التهدئة.
وبعض آخر استخدم عبارة الدبلوماسية الرخوة، وبعض يتحدث عن مصطلح المصالحة، والكل، أو الأكثرية، لا يخفى الثقة المتزايدة بأن عصر الأحادية الأمريكية انتهى إلى غير رجعة والسباق المقبل، فى ظل الدبلوماسيات الرخوة أو غيرها، سيكون من أجل عصر ثنائية حديثة من نوع مبتكر، طرفاها هذه المرة الصين وأمريكا.
أو سيكون من أجل عصر تعددية أطرافها متناثرة بتناثر القارات والثقافات. ومن هذه الأطراف من عاد معتنقا عقائد قومية ملامحها تزداد يوما بعد يوم وضوحا، بدأت فى شكل حمائية تجارية متصاعدة وتمر الآن بمرحلة مشاعر «وطنية» جارفة، ونخشى أن تنتهى إلى زحف نحو عنصرية حقيقية.
عدت أقرأ بعض الخطب التى ألقيت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نهاية الصيف الماضى حين كانت الأزمة المالية ــ الاقتصادية فى بداياتها العالمية وإن كانت فى ذروتها الأمريكية. لفت انتباهى خطاب لولا دى سيلفا رئيس جمهورية البرازيل، خاصة حين تحدث بإسهاب عن جغرافيا سياسية واقتصادية جديدة لعالم متعدد الأطراف.
وشن فى الخطاب هجوما لاذعا على المؤسسات الاقتصادية الدولية التى تمارس أعمالا وأنشطة «فوق سـيادية»، وانتقد عجزهـا عن وضع سياسات لوقف ما سماه «فوضى المضاربات».
من ناحية أخرى، ألقى ساركوزى رئيس فرنسا بخطاب اقترح فيه «إعادة بناء الرأسمالية»، وتحدث عن ضرورة «تطعيم الرأسمالية بمنظومة أخلاقية»، والضرب بشدة على أيدى سماسرة السوق وفرض الرقابة على الأسواق وسياسات الائتمان والاقتراض.
وألقى إيفو موراليس رئيس بوليفيا خطابا تنبأ فيه بعالم متعدد الأقطاب ودعا شعوب العالم إلى التخلص من الإمبريالية والاستعمار. وقال إنه لا سلام عالمى ممكن فى ظل الرأسمالية المتوحشة السائدة فى عالم اليوم.
هذا النوع من الخطاب السياسى كان قد اختفى من المسرح الدولى منذ أن حلت الانفرادية الأمريكية محل الثنائية القطبية، ومنذ أن أوقفت الدول المناهضة للاستعمار الغربى فى أشكاله المتعددة تمردها واستسلمت للشركات المتعدية الجنسية والمؤسسات الاقتصادية الدولية، وتحولت تحت الضغط الشديد أحيانا والمراوغ أحيانا أخرى إلى اعتناق سياسات أطلق عليها سياسات اقتصاد السوق.
وكانت فى تطبيقاتها تمثل نوعا رديئا بل متوحشا من الرأسمالية. لم يكن إيفو موراليس البوليفى أو هوجو شافيز الفنزويلى أو دى سيلفا البرازيلى الوحيدين فى عالم فقير لم يعد يتحمل قسوة رأسمالية السوق، ولكن فى غياب شخصيات مرموقة من دول عربية وأفريقية وآسيوية كانت تمثل ذات يوم القيادة الطبيعية والمنطقية للتمرد على وحشية الاستعمار الاقتصادى للغرب وفى مقدمها دولة مثل مصر ودولة مثل الهند وأخرى مثل ماليزيا.
فى غياب هؤلاء لم يكن غريبا أن يقود التمرد شخصيات تمثل دولا فى أمريكا اللاتينية. ولم يكن غريبا أن يخرج سفير أمريكى عن وقاره ولياقته الدبلوماسية ليصف موراليس رئيس بوليفيا أمام الملأ بأنه «بن لادن جبال الأنديز»، ويقصد بن لادن أمريكا اللاتينية.
ولم يكن غريبا فى الوقت نفسه أن يقف أحد سفراء أمريكا اللاتينية فيقول أمام عدد من المعلقين الصحفيين ما معناه إن المراقب فى هذه الدورة من دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة يلحظ بوضوح أن البرازيل حظيت باحترام أكبر من الاحترام الذى كانت تحظى به عادة الولايات المتحدة الأمريكية فى دورات سابقة.
لا تفسير معقولا لما حدث فى الولايات المتحدة قبل أن ينتقل ليحدث فى العالم بأسره، سوى القول بأن تطورا وقعا خلال عامى2007 و2008 لا يقل خطورة عن حادث تفجير برجى التجارة الدولية فى نيويورك عام2001.
لا شىء كان يمكنه التأثير بهذا العمق أو هذا الشمول فى جيواستراتيجية وجيواقتصادية العالم إلا تطورا خطيرا يمس مباشرة جوهر العقيدة الاقتصادية والتراتيب الاجتماعية للغرب بصفته رائد الحضارة العالمية المعاصرة. هذا التطور الخطير هو الذى أجبر الأمريكيين، شعبا وقيادة، على الاقتناع بأن عصر الأحادية الأمريكية، أو عصر الإمبراطورية كما يفضل بعض الكتاب مثل كاجان تسميته، قد ولى أو على وشك أن يغرب.
وأن علـى أمريـكا أن تعـيد النظر فى كـل أمر من أمورها وليس فقط فى سياسة هنا أو إستراتيجية هناك. وهناك من يعتقد أن باراك أوباما جاء ليطرح التغيير ابتداء من طبيعة وأهداف الوجود الأمريكى فى الخارج وانتهاء بمنظومة الأخلاق والقيم الأمريكية التى تدهورت فى عهود هيمنت عليها عقيدة الجشع وإرهاب المغامرين والمقامرين.
إن التطور الخطير الذى تسبب فى كل هذه التحولات الدولية والأمريكية ينبثق فى رأيى من «موجات الجشع» التى دهمت أمريكا خصوصا والعالم بشكل عام، ففعلت فيهما، ما سبق وفعلته «موجات الإرهاب» التى ضربت نيويورك وواشنطن ولندن ومدريد وباريس ودار السلام ونيروبى والصومال وأفغانستان وباكستان ومصر ولبنان والسعودية وغيرها كثير.
وأظن أن الموجتين تبادلتا الاعتماد والتأثير فى بعضهما البعض. وقد يكون صعبا للغاية محاولة فصل الواحدة تماما عن الأخرى. هل الموجة الثانية للإرهاب، أو «تسونامى الإرهاب الاقتصادى» ما كانت لتقع لولا اعتمادها على موجات الإرهاب الدينى المتطرف التى سبقتها، باعتبار أن الموجات الأولى للإرهاب، أى ذات الصبغة الدينية، كانت ضرورية لتفكيك ثقة الشعوب بقياداتها وبالشعوب الأخرى وضرورية لإضعاف الحكومات وتشتيت تركيز قوى الأمن الداخلى وجهودها وإثارة حماسة المؤسسات العسكرية الأمريكية والأوروبية للدخول فى مغامرات خارجية مثل غزو أفغانستان والعراق والآن باكستان.
وباعتبار أنه ما كان يمكن «لإرهاب المغامرين» و«إرهاب المضاربين» و»إرهاب الجشعين» أن يحقق ما حققه من تحولات دولية عميقة وشاملة وبعيدة الأثر لولا الإنجازات التى حققها «إرهاب المجاهدين» والمتشددين وإرهاب أجهزة الأمن فى عديد من الدول.؟ أم أن إرهاب المغامرين واقتصاد الجشع فى شكل حملات استثمار نهمة لا تعرف القيم ولا تهتم بغير نفسها هو الذى أضعف قوة الدولة وغرس عدم الثقة بين الحكومات وشعوبها ونشر الظلم الاجتماعى فمهد لموجات الإرهاب الدينى؟.
عالم جديد يتشكل على أكتاف إرهاب مزدوج متعدد الجنسية والتخصص والأهداف.