مطربات الفكر الجديد
وائل قنديل
آخر تحديث:
الخميس 1 أبريل 2010 - 9:16 ص
بتوقيت القاهرة
لماذا عاشت أغانى عبدالحليم حافظ للثورة ولجمال عبدالناصر حتى الآن، بينما لا تثير «أغنيات التكليفات» من عينة ما تقدمه شيرين وعمرو دياب فى مناسبات بعينها إلا السخرية والضحك؟
لماذا صدق الناس ــ ويصدقون ــ العندليب، رغم أن بعضا مما قدمه ربما كان مفصلا على مقاس الزعيم جمال عبدالناصر، ولم يستطيعوا تصديق أو هضم ما يقدمه الآخرون هذه الأيام رغم الادعاء بأنه من القلب وبمبادرة شخصية من أصحابه؟
لماذا عاشت أغنيات عبدالحليم للثورة ولعبدالناصر، رغم ملايين الأطنان من التراب التى أهيلت وتهال على ذلك الزمن، بينما تلاشت أغانى توشكى وأخواتها؟
هى ليست مجرد «نوستالجيا» مفرطة، ليست حنينا طفوليا إلى زمن ولى، بدليل أن أجيالا لم تعايش عصر الثورة وعبد الناصر تردد أغنيات عبدالحليم، وتتسمر أمام الشاشات، وهى تشاهد «ناصر 56» أو «الطريق إلى إيلات»، وحين يستبد بها الشوق إلى مصر تغنى مع شادية «يا حبيبتى يا مصر» .
ظنى أن مفتاح فهم هذه المعادلة الغريبة يتلخص فى كلمة واحدة هى «الصدق»، ويمكنك أن تقول ما شئت فى عيوب وأخطاء زمن عبدالناصر، وأخطاء الزعيم نفسه، لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن ذلك كله، بانتصاراته وانكساراته، بمزاياه وعيوبه، بأخطائه الكبيرة والصغيرة، كان مغلفا بالصدق.
وأزعم أنه لو اجتمعت جيوش العالم، العسكرية والإعلامية والسياسية، لمحاولة فرض عمل فنى، أغنية كانت أم فيلما، على وجدان الجماهير وذاكرتها بالقوة ما استطاعت.. والعكس أيضا صحيح لا تستطيع قوة فى العالم أن تمنع الناس من الإعجاب والتوحد مع غنوة بسيطة لا تزيد على ثلاث دقائق.. والدليل عبدالحليم حافظ الذى رحل عن الدنيا منذ 33 عاما، خلالها جرت محاولات مستميتة لفرض أصوات بعينها على أذواق الجماهير دون جدوى.
والمشكلة الحقيقية أن أحدا من أصحاب هذه المحاولات لا يريد ــ أو لا يستطيع ــ أن يدرك أن ما بين عبدالحليم حافظ والثورة وجمال عبدالناصر كيمياء خاصة ومعقدة لا تتكرر كثيرا، لم يصنعها أحد أو يحاول التحكم فى تفاعلاتها، وإن فعل ما كان يستطيع.. ومن ثم فإن القول إن عبدالحليم نجح فى تسويق عبدالناصر وثورته هو محض سفسطة وكلام أجوف، كما أن الزعم بأنه لولا الثورة ودعمها المطلق لما كانت هناك أسطورة اسمها عبدالحليم.. بدليل أنه لا يزال موجودا وحاضرا أكثر بكثير من مطربى ومطربات الفكر الجديد.. تماما كما أن عبد الناصر لا يزال حاضرا فيما غاب الحاضرون!