عملية السلام.. هواية أم ضرورة؟

توماس فريدمان
توماس فريدمان

آخر تحديث: الخميس 1 أبريل 2010 - 9:46 ص بتوقيت القاهرة

 إذا كنت تتصور أن الاضطراب الإسرائيلى ــ الأمريكى الأخير هو نفسه الشجار القديم بشأن المستوطنات، فمن الواضح أنك غير منتبه إلى حقيقة الأمر هكذا أصف العديد من الإسرائيليين والعرب واليهود الأمريكيين اليوم.

يعكس هذا الشجار تحولا هيكليا يحدث تحت السطح فيما يخص العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. ويمكن أن ألخص الأمر كالتالى: فى العقد الأخير، تحولت عملية السلام الإسرائيلى ــ الفلسطينى بالنسبة للإسرائيليين من ضرورة إلى هواية. وخلال العقد الأخير، تحولت عملية السلام الإسرائيلى ــ الفلسطينى بالنسبة للأمريكيين من هواية إلى ضرورة. وهنا تكمن المشكلة.

لقد أسفرت عملية السلام التى انطلقت من أوسلو إلى جانب الانسحاب الإسرائيلى أحادى الجانب من لبنان وغزة الذى لم يتله تحقيق السلام بل هجوم حزب الله وحماس على إسرائيل بالصواريخ عن القضاء على معسكر السلام الإسرائيلى والأحزاب السياسية المتحالفة معه.

وفى الوقت نفسه، فإن بناء إسرائيل لجدار حول الضفة الغربية بغرض منع الانتحاريين الفلسطينيين من التسلل إلى إسرائيل (لم تحدث عمليات ناجحة منذ 2006) إلى جانب تطور الصناعات عالية التكنولوجيا فى إسرائيل وهى الصناعات، التى تنجز الكثير من الأعمال بطريقة رقمية وعبر الإنترنت، كما أنها لا تتأثر بالصراع اليومى ترتب عليهما أنه حتى بدون سلام، يمكن لإسرائيل أن تتمتع بتعايش سلمى للغاية، وكذلك ارتفاع فى مستوى المعيشة.

وبعبارة أخرى، فإنه نتيجة انهيار عملية السلام وبناء الجدار وتطور شبكة الإنترنت، أصبح تحقيق السلام مع الفلسطينيين هواية أكثر من كونه ضرورة بالنسبة لإسرائيل. ويبدو أن الكثير من الإسرائيليين باتوا يعتقدون بوعى أو من دون وعى أنه يمكنهم الحصول على كل شىء: دولة يهودية، ودولة ديمقراطية، ودولة على كامل التراب الإسرائيلى، بما فى ذلك الضفة الغربية، إلى جانب السلام.

ولِمَ لا؟. فقد كتب دان إيفرون فى النيوزويك يوم 11 يناير 2010، قائلا: «نتيجة تطور الوضع الأمنى، والشعور بأن قبول العرب لإسرائيل لم يعد يهم كثيرا، وتنامى حالة عدم الرضا إزاء السياسة بشكل عام، أصبح الكثيرون من الإسرائيليين يشككون فى الحسابات الأساسية، التى أدت إلى عملية السلام. وبدلا من أن يعلقوا الآمال على السلام، أصبحوا الآن يتساءلون: من الذى يحتاج إليه؟ وقد نمت السياحة بمقدار 10% فى 2008. ومما يدعو للدهشة أن صندوق النقد الدولى توقع مؤخرا أن الناتج المحلى الإجمالى الإسرائيلى سوف ينمو فى 2010 بدرجة تفوق نمو نظيره فى معظم البلدان المتقدمة. وباختصار، يتمتع الإسرائيليون بمكاسب السلام دون اتفاق سلام».

والآن، فى الفترة نفسها، تحول الأمريكيون من مجرد الاحتفاظ بعدد رمزى من الجنود فى الشرق الأوسط إلى إدارة حربين هناك فى العراق وأفغانستان إضافة إلى الصراع العالمى فى مواجهة المسلمين المتطرفين، الذين يستخدمون العنف. وحيث إن الجنود الأمريكيين أصبحوا يتجولون فى الشوارع العربية بالمعنى الحرفى للكلمة، ومن ثم أصبحوا يحتاجون أكثر من أن وقت مضى إلى النوايا الحسنة للمسلمين كى يحموا أنفسهم ويهزموا المسلمين المتطرفين فإن السلام الإسرائيلى ــ الفلسطينى قد تحول من هواية يمارسها الدبلوماسيون الأمريكيون فى فترة ما بعد الحرب البادرة إلى ضرورة.

وقد نقل عن كل من نائب الرئيس جو بايدن والجنرال ديفيد بتريوس مؤخرا قولهما إن تقيحات الصراع الإسرائيلى الفلسطينى تغذى المشاعر المعادية للولايات المتحدة بفعل المنظور الذى يرى أن الولايات المتحدة عادة ما تنحاز إلى إسرائيل، وإن القاعدة وحماس وحزب الله وإيران يستغلون هذه المشاعر من أجل خلق حالة من العداء لأمريكا تجعل الحياة أصعب بالنسبة لجنودنا فى المنطقة. ولن أبالغ فى تصوير الأمر، لكننى لا أستبعده أيضا.

ولعل الأمر الذى يجب أن يجعل تحقيق السلام ضرورة لا هواية لكل من أمريكا وإسرائيل يتمثل فى الحاجة إلى مجابهة إيران النووية. ولسوء الحظ، ترى إسرائيل أن منع إيران من امتلاك سلاح نووى أمر أكثر أهمية من المسألة الفلسطينية ومنفصل عنها، بينما ترى الولايات المتحدة القضيتين متكاملتين. وفى الوقت الذى تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تعزيز التحالف الدولى بهدف مواجهة إيران، وتستغل فيه طهران الصراع الفلسطينى/الإسرائيلى المتواصل فى إحراج العرب الموالين لأمريكا وتوسيع نفوذها فى العالم الإسلامى، يصبح السلام أصلا إستراتيجيا بالنسبة لأمريكا وإسرائيل.

وقد قال آرى شافيت، الكاتب فى صحيفة هاآرتس اليومية الإسرائيلية إن على إسرائيل أن تتبنى رؤية أكثر تكاملا، يطلق عليها «فلسطين إيران فلسطين»، تقوم على أنه يجب أن تأخذ إسرائيل زمام المبادرة عبر الانفتاح على الفلسطينيين، وهو ما سوف يجعل التقدم على هذه الجبهة أسهل ويقوى التحالف الأمريكى فى مواجهة إيران، ويؤدى فى نهاية المطاف إلى إضعاف طهران وحلفائها حماس وحزب الله، وإلى فتح الطريق أمام المزيد من التقدم على الجبهة الفلسطينية ــ الإسرائيلية. ويقترح شافيت أن تتوصل إسرائيل إلى اتفاق مرحلى مع الفلسطينيين بشأن الضفة العربية، بل أن تدرس إمكانية القيام بانسحاب جزئى أحادى الجانب منها.

وقال شافيت إنه «بطريقة أو بأخرى، يجب على نتنياهو القيام بخطوة حقيقة على الجبهة الفلسطينية يمكن أن تجعل اتخاذ خطوات على الجبهة الإيرانية ممكنا، وأن تجعل التعامل مع جوهر النزاع الفلسطينى ــ الإسرائيلى ممكنا فى مرحلة لاحقة».

وفى حقيقة الأمر، تعتبر القدس والمستوطنات والسلام وإيران جميعها قضايا مترابطة. ولعله من قبيل الوهم أن نزعم أن بإمكاننا التعامل مع بعضها باعتباره هواية ومع إحداها باعتبارها ضرورة.

New york Times Syndication

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved