كتابة الدستور أهم من التصويت عليه

سامر سليمان
سامر سليمان

آخر تحديث: الجمعة 1 أبريل 2011 - 10:37 ص بتوقيت القاهرة

 الديمقراطية والحرية تقوم على الاختيار.. أن تختار ما بين عدة أشخاص لتولى المناصب القيادية، أو أن تختار ما بين عدة سياسات وتوجهات للدولة. بهذا المعنى الديمقراطية ليست فقط عملية تصويت. فإذا كان التصويت على الاختيار بين أحمد والحاج أحمد مثلا فلا معنى له من الأصل. وإذا كان هناك اختلاف بين أحمد والحاج أحمد لكنك غير قادر على اكتشاف الاختلافات، فأين هو الاختيار؟

ماذا كانت مساحة الاختيار المتاحة أمام الشعب فى الاستفتاء الأخير؟ أجزم أنها كانت محدودة جدا. سأضرب مثلا بنفسى. لقد سعدت بالتعديل الذى لا يُبقى الرئيس فى السلطة إلا مدتين، كما فرحت بتيسير شروط الترشح للرئاسة لكى يستطيع أناس من نوعية البسطاويسى والبرادعى وموسى وغيرهم الترشح. كنت أريد التصويت بنعم على التعديلات. المشكلة أن هناك تعديلات أخرى منعت من ترشح كل المصريين الذين تزوجوا من أجانب أو حصلوا على جنسية أجنبية أو حصل آباؤهم عليها حتى ولو تخلوا عنها. مشكلتى مع هذا التعديل ليست شخصية، فأنا مصرى ابن مصريين صعايدة «أنقياء» ومتزوج من مصرية بنت مصريين «أنقياء» من الدلتا. يعنى إذا كانت المسألة بالدم أو ببطاقة الهوية أو بالزواج، أو حتى بلون البشرة، فإن مصريتى «نقية» مائة بالمائة وتجمع بين مملكتى مصر القديمة العليا والدنيا! مشكلتى مع هذه التعديلات أنها تفتح الباب لتمييز صارخ ضد بعض المصريين، وأن هذا التمييز تم تمريره محشورا وسط تعديلات أخرى. ناهيك عن أن هذا التعديل نابع من ذهنية تنتمى للعهد القديم تعتقد أنها وصية على الشعب المصرى العظيم الذى صنع الثورة. فتشديد الشروط هنا يفترض أن هناك أناسا من مزدوجى الجنسية قادرون على الفوز بثقة الشعب. لذلك تدخل المُشرِّع لكى «يحمى» الشعب من نفسه ويعفيه من «خطأ» اختيار شخص مشكوك فى ولائه لمصر بالكامل.

لقد أصابنى التعديل بالصدمة الشديدة، خاصة أن المستشار البشرى رئيس لجنة تعديل الدستور وعضوين آخرين فى اللجنة ينتمون إلى الإسلام السياسى، وهو تيار غير معروف عنه التطرف فى التعصب الوطنى أو تبنى مفهوم النقاء العرقى. بل إن بعض أطراف هذا التيار متهمة بالتفريط فى فكرة الوطن من أساسها على أساس أن الإسلام هو الوطن.

هل تتذكرون مقولة «طظ فى مصر» لمهدى عاكف المرشد السابق للإخوان؟ هل تتذكرون حينما قال إنه لا مانع لديه أن يرأس مصر شخص ماليزى؟ عفوا، لا أقول أبدا إن ذلك هو موقف كل التيار الإسلامى، فبعضهم يسعى فعلا لمصالحة انتمائه الدينى مع الوطنى. ما أريد بيانه أن فكرة النقاء العرقى والتشدد ضد الأجانب (على الأقل المسلمون منهم) لا تمت بصلة لفكر المستشار البشرى وبعض أعضاء اللجنة. فلماذا قاموا بذلك التعديل؟ الإجابة عندهم وليست عندى. فى الحقيقة رد المستشار البشرى بأن المحكمة الإدارية العليا لها حكم سابق بخصوص أعضاء مجلس الشعب من مزدوجى الجنسية هو رد غير مقنع. نحن فى مرحلة تعديل دستورى تمهد لقيام دستور جديد. فهل نُكيف التعديلات والدستور الجديد مع أحكام وقوانين قديمة. أى منطق هذا؟!

المهم، بما أننى ما كان بإمكانى التصويت بنعم على نصف التعديلات وبلا على النصف الآخر، فقد قررت أن أصوِّت بلا، لكى ندخل فى تعديل دستورى حقيقى، خاصة أنى أتبنى وجهة النظر التى تفضل بناء الدستور «على نضافة» ومن الأول.

هكذا دخل صوتى فى زمرة أربعة ملايين قالوا لا. والحقيقة أنا لا أعرف كم من الذين قالوا لا يشاركنى فى المعارضة الشديدة للتمييز ضد المصريين من مزدوجى الجنسية. وبالمثل لا أعرف مطلقا كم من المصريين قرر أن يقول نعم وهو موافق على التشدد فى شروط جنسية مرشح الرئاسة.

نتيجة الاستفتاء لا تقول لنا هنا أى شىء. اعذرونى إن كنت سألجأ لمثال من الماضى لكى أثبت فكرتى. لقد قال الشعب المصرى فى 1980 نعم لتعديلين دستوريين طُلب منه إبداء الرأى فيهما. قال نعم لإضافة الألف واللام لكلمة مصدر. هكذا أصبحت الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع. كما قال نعم على تعديل المادة 77 لكى يتاح للرئيس البقاء فى السلطة مدى الحياة بعد أن كانت سلطته محدودة بمدتين. هل تظنون أن الشعب المصرى كان يريد فعلا رئيسا مدى الحياة؟ والآن وبعد أن اكتوينا برئيس ظل فى السلطة 30 عاما وأذاقنا العذاب والذل، هل ننتبه إلى خطورة حشر مواد دستورية مع مواد أخرى والتصويت عليها حزمة واحدة بدون مناقشة أو تفكير؟.

لقد حدث ما حدث. هذا المقال لا يهدف إلى النبش فى الماضى. هو يريد فقط أن يثبت نقطة أساسية أعتقد أنها ستعصمنا من الكثير من المشاكل فى المستقبل عندما نكتب الدستور الجديد: إن قدرة الدستور بمواده المختلفة على الحصول على توافق وطنى وتأييد واسع من الشعب لا تأتى من التصويت عليه، لأن التصويت لا يمكن أن يتم مادة مادة، بل عليك أن تصوت على الدستور كحزمة واحدة. أهم شىء فى الدستور هو مرحلة الكتابة بكل ما تشتمل عليه من اختيار لجنة صياغة تمثل كل أطياف الشعب المصرى تمارس عملها أمام شاشات التليفزيون وليس وراء أبواب مغلقة، ومن نقاشات وحوارات تصاحب عملية الكتابة من أجل الوصول فى النهاية إلى توافقات على المبادئ والأسس التى تقوم عليها الدولة. وهذا لم يحدث فى التعديل الأخير. فاختيار لجنة التعديل لم يكن موفقا بأى حال من الأحوال، لأنه استبعد بالكامل تيارات أساسية فى المجتمع، ولون اللجنة بلون تيار بعينه، مما أدى للأسف إلى تحويل مسار النقاش والتعبئة والحشد إلى قضايا ومواد فى الدستور لم تكن مطروحة أصلا، وأدى إلى وقوف العديد من المسلمين مع التعديلات من منطلق الدفاع عن الإسلام، ووقوف اصطفاف العديد من المسيحيين ضد التعديلات لأن الموضوع كان غامضا عليهم فقرروا التصويت بعكس الإخوان، خاصة أن النظريات التى تتحدث عن تحالف خفى بين الجيش والإخوان منتشر بشدة هذه الأيام. فلننتبه إلى هذا فى المستقبل. تكوين لجنة كتابة الدستور والاضطلاع على مناقشاتها بكل شفافية أهم من التصويت على الدستور. وبالتأكيد المعركة مستمرة لإسقاط مواد الجنسية التى تم حشرها فى المواد الدستورية الجديدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved