أهلا رمضان
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 1 أبريل 2022 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
شهر رمضان له أسرار لا يعلمها إلا الله، بحثت عن سر فرحة الكبار والصغار والمرأة والطفل والمسلم وغير المسلم بشهر رمضان فلم أعرف السر فى ذلك، كل المسيحيين الذين سألتهم عن شهر رمضان قالوا: نحن نحب شهر رمضان مثلكم.
تجد فى هذا الشهر عجبا، تذهب إلى صاحب السوبر ماركت المسيحى تطلب منه بعض شنط للفقراء فى رمضان فيدهشك قوله: سأدعم هذه الشنط من جيبى الخاص لتعم الفرحة جميع الفقراء ويبيع لك كل السلع مخفضة.
تجد بعض التجار المسيحيين يشاركون إخوانهم المسلمين فى إقامة مائدة الرحمن للفقير واليتيم والمسافر وابن السبيل ومن انقطعت به الأسباب، وقد يأمر أولاده وهم من أهل اليسر أن يخدموا الصائمين فى المائدة، رغم أن معظم هؤلاء من الفقراء والبسطاء، لا تدرى كيف أنزل شهر رمضان التواضع والكرم فى قلوب الأغنياء.
تذهب دور الأيتام إلى أى بائع للملابس فى نهاية الشهر لشراء ملابس العيد لأطفال الدور فيصر الباعة جميعا مسلمين ومسيحيين على التخفيض، وبعضهم كان قبل وبعد رمضان لا يتنازل عن جنيه واحد.
يصر التجار على التبرع كل يوم ببعض بضائعهم للمعتكفين فى المساجد فى العشر الأواخر من رمضان.
لا تدرى كيف شبع الجميع فى رمضان، وكيف يأكل فقراء المصريين اللحوم مرارا فى رمضان رغم مرور عدة أشهر لم يطعموها، سواء ارتفع الدولار أو انخفض أو ذهب الجنيه المصرى إلى القاع، بركات شهر رمضان تسد الفجوة بين الناس.
تسأل نفسك عن سر فرحة الأطفال بليالى رمضان فلا تدرى من الذى أنزل تلك البهجة فى قلوب الأطفال، تراهم يلعبون طول الليل فى الشارع، كلما رأيتهم أتذكر طفولتى الجميلة فى رمضان، نلعب الكرة معظم النهار، حتى إذا اقترب المغرب جهز كل واحد منا عدة تمرات وتشاركنا جميعا فى الإفطار فور إنارة المئذنة.
لم يكن هناك مدفع فى بلدنا، وكنا نراهن على توقيت إنارة المئذنة وانطلاق أذان المغرب، كل منا يقول سأعد من واحد إلى عشرة حتى الأذان، فإذا تأخر الأذان مد فى العدد من 7 إلى 10 كثيرا.
كنا نعتبر مؤذن المسجد الشيخ زكريا شخصية أسطورية لها مهابة، كنت أتمنى أن أؤذن مكانه يوما ما، صنعت لنفسى ميكرفونا من الحطب الجاف ووضعت عليه ورقة على شكل ميكرفون وأنشأت منبرا على سطح المنزل، كنت أؤذن فى اليوم الواحد عشرات المرات، كنت أظن أن الشيخ زكريا أكبر من رئيس الجمهورية، وكنت أتوق لصعود المئذنة كما كان يصعدها المرحوم خالى صديق الشيخ زكريا، كان للمئذنة سحر خاص فى نفسى وهيبة كبيرة، وكانت مبنية على الطراز التركى الرائع وما زالت حتى الآن بنفس الهيئة والهيبة رغم مرور مائة عام عليها.
كنت أساعد خالى فى توزيع العصائر والبلح فى المسجد الكبير بديروط، وكان أول من وزع العصير فى بلدتنا، وكان فقيرا وكريما ومتصوفا.
بعد أن ينتهى شهر رمضان كنت أشعر أن الناس كسالى مكتئبين وفى حالة حزن دفين وانكسار، لا أعلم سره حتى الآن، مفارقة شهر رمضان للناس كانت تمثل انكسارا نشعر به كل عام حينما نفارقه، مهما كانت السلبيات، مفارقة شهر رمضان أشبه بموت أحد الأعزاء، يتركنا رمضان دوما فيدمى قلوبنا ويحزنها بفراقه.
أهلا رمضان ومرحبا.. أهلا بالفرحة والسعادة.. أهلا بالصيام والقيام.. أهلا بالتكافل والتسامح، أهلا بالعفو والصفح، أهلا برمضان الذى يغسل أحقاد الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويطفئ النيران التى أشعلتها السياسة ومكائدها، أهلا بصلة الرحم بعد طول انقطاع، أهلا ببر الوالدين الذى يأتى به رمضان بعد غياب.
أهلا رمضان.. التكافل الاجتماعى والعطاء الإنسانى والكرم اللا محدود، أهلا رمضان الرجوع إلى الله والانكسار أمام عتباته، وخفض الجناح للناس، أهلا رمضان.