بين نارين

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 1 أبريل 2022 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

تتباين فترة التوافق بين زوجين حسب قوة العلاقة والحب ولكن على كل حال فإنها سوف تحدث خاصة فى أفلام السينما المصرية طوال نصف قرن من عمر السينما على الأقل، ففى هذه الأفلام تكون النهاية السعيدة سببا ومؤشرا لحياة ممتدة بين الطرفين، إلا أن الكثير من الأعمال تبدأ فى العادة بالارتباط الزوجى بين طرفين متحابين، بينهما فاصل اجتماعى أو ثقافى ملحوظ ويركز الفيلم على تفاصيل ما يحدث فى هذه الفترة من التوافق، فهما الأنسب كل منهما للآخر، وفى العادة فإن هناك اسبابا اصطناعية من طرف آخر يدس المواقف ويفصل بين الزوجين، وقد تطول هذه الفترة وتصل إلى ست سنوات عاشها الطبيب مع امرأته فى مدينة الأقصر وأنجبا خلالها طفلة جميلة، فلما عادت إلى العاصمة تلقفهما اصحاب المكائد فى خطة مدبرة تفصل تماما بين الزوجين، غالبا هى مكائد أهل المدينة وكل ما بها من بهرج وربما لا أخلاق، رأينا هذا بشكل واضح فى أفلام كثيرة منها (شاطئ الغرام) ثم فيلم (بين نارين) أخرجه جمال مدكور 1945 من بطولة راقية إبراهيم وأنور وجدى ومحمود المليجى وزينب صدقى، كل منهم فى دوره النمطى الذى اعتدنا عليه فى السينما راقية فى دور الزوجة البسيطة المثقفة صاحبة الشخصية المتميزة.. أما أنور وجدى فهو شاب مثالى لا يشرب الخمر ورث ثروة طيبة عن أبيه ويعيش مع امه يتقابلان رغم ما بينهما من مسافة اجتماعية غير أنهما متطابقان يفضلها عن ابنة خالته التى تحبه بعشق وجنون وتريد امتلاكه لنفسها بأى ثمن، مهما طالت فترة الانتظار، وبالفعل فإنه يتم نقل الطبيب الشاب إلى أقصى الجنوب، وهناك يمارس حياته المهنية بمهارة والزوجية فى هدوء شديد بعيدا عن التوتر. 

الجدير بالذكر أن الكاتب المسرحى الامريكى تينسى ويليامز كتب مسرحية باسم (فترة التوافق) تحولت فى الخمسينيات إلى فيلم أمريكى بالاسم نفسه بطولة جين فوندا وجيم هاتون، أى أن هذا الفيلم قد تم إنتاجه بعد أربعة عشر عاما من فيلمنا المصرى الذى نؤكد أنه بلا جديد أو قديم، فكم رأينا مثل هذه الأفلام بايقاعها الهادئ، ما يعكس برودة هذه المرحلة وإيقاعها الثابت الرتيب حتى وإن كانت السعادة والتفاهم هما من أكثر الأشياء التى ينشدها المرء، لقد طالت هذه الفترة هنا وفى أحيان كثيرة من الواقع والسينما فإن طولها قد يصل إلى أيام معدودة فى فيلم جمال مدكور انتهت الفترة بعد عودة الزوجين للعاصمة، كى يعمل الزوج طبيبا مسئولا فى قصر العينى، وتبدأ ابنة خالته فى دفع أخيها إلى إيهام الزوجة بأن هناك علاقة عشق بين الطبيب وإحدى النساء وهنا تتكون كرة الثلج التى كلما تدحرجت تضاخمت فتتسع الهوة بين الزوجين وتتحول العواطف المشبوهة إلى شكوك وصدامات يقوم بعدها الزوج بتطليق زوجته بناء على طلبها، ويتم هذا بتفاصيل دقيقة لم تحدث من قبل فى الحياة السعيدة بينهما، ومثلما هناك فترة توافق تتولد بينهما فترة تباعد تتطور إلى الحد الذى يقرر فيه الرجل خطبة قريبته ويقترب موعد الزفاف، إنها نفس الفترة الذى ركز عليها فيلم (هذا هو الحب) إخراج صلاح أبوسيف، لكن الزوج فى هذا الفيلم الأخير كان عاشقا أحمق شرقى التفكير ملىء بالشكوك فطرد زوجته من حياته قبل أن ينتهى شهر العسل، وفى النهاية تم التوافق بينهما قبل أن يتم عقد قرانها على رجل آخر لا يناسبها بدقائق أنه هكذا يكون الحب، كما رأى صلاح أبوسيف.. أما فيلم بين نارين فإن الأمر يتكرر كأنه تتطابق فى علم الهندسة ويلحق الزوج واسرته القريبة لاعادة تشكيلها بعد ان استمع إلى اعترفات الشرير للمرأة التى استخدمت فى الفيلم كأداة لإثارة الغيرة. 

من خلال ثقافتك السينمائية، ولو اجتهدت قليلا فى التذكر فسوف تكتشف أن ذلك الموضوع قد استهلك كثيرا، وأنا أرى أن فترة التوافق هنا حالة من الدراما المصطنعة فاقدة المذاق، وسرعان ما توضع البهارات على العلاقة عند إفسادها خاصة أننا نرى ثبات المشاعر وأن الطرفين لم يختلفا قط إبَّان مرورها، وهذا الأمر يختلف تماما عن إيقاع الحواديت فى أفلام تبدأ الحركة فيها منذ اللحظة الاولى، وتشد انتباهك حتى كلمة الختام لكنه ليس هناك ختام بل هو استمرار ما يعنى أن قبلة الحب فى أغلب أفلامنا وراءها الكثير من القصص قد يجتازها أصحابها وقد يسقطون عند أول اختبار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved