ورقة وقلم..
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
السبت 1 مايو 2010 - 9:34 ص
بتوقيت القاهرة
«أهم الحقوق التى يفتقدها المواطن المصرى، هو حق المعرفة، فعندما يعلم، سوف يطالب بكل حقوقه الأخرى، ويسعى إلى تحقيقها».
كان ذلك من أبلغ ما سمعته فى حوار مع د.حسام بدراوى عضو الأمانة العامة للحزب الوطنى. وهو صاحب مناصب وأنشطة مختلفة، تقود إلى الطب والثقافة والسياسة والوطن والرياضة. ومنذ سنوات يقود د.حسام بدراوى حملة من أجل النهوض بالتعليم. وحين سألته كم جامعة تحتاجها مصر خلال العقود القادمة، أجاب: 200 جامعة.
فكرت فى حديث د.حسام بدراوى عن حق المعرفة، ومعناه العميق، وفى إجابته عن السؤال الخاص بعدد الجامعات التى تحتاجها مصر، فكرت فى ذلك ونحن فى جامعة الزقازيق بدعوة كريمة من د.عادل قاسم الأستاذ بكلية التجارة، ورائد قافلة شعاع الخير التى تضم طلبة وخريجين وشخصيات عامة وشبابا من أبناء الشرقية. كانت الدعوة لتكريم مجموعة من الشخصيات التى أعطت البلد، كل فى موقعها، ومن تلك الشخصيات رجل الأعمال منصور عامر.
الذى تبرع بثلث أرباح شركاته فيما سماه بالوقف المصرى، ورجل الأعمال نيازى سلام رئيس بنك الطعام، وكان من أرقام البنك المذهلة أنه يقدم 15 مليون وجبة شهريا إلى الفقراء. بواقع 500 ألف وجبة يوميا. وكان من ضمن المكرمين الملازم أول خالد حسينى ضابط الشرطة الذى تبرع بدمه لطفل.
كما كرمت أسماء شهداء من القوات المسلحة ومن الشرطة، والزميلين الإعلاميين خيرى رمضان ومجدى الجلاد لدورهما فى دعم ومساندة قافلة الخير عمليا وإعلاميا.
وأخيرا حظيت أنا أيضا بالتكريم. وحين وجدت نفسى فى قلب الحدث، وأرى وأسمع ما قدمه المكرمون للشرقية ولجامعة الزقازيق، وللوطن، لم أفهم لماذا تشرفت بهذا التكريم دون أن أقدم واحد من المليون مما قدمه رجال الأعمال والشهداء ودون أن أقدم ما قدمه الزميلان خيرى رمضان ومجدى الجلاد من دعم ومساندة للجامعة أو لقافلة الخير؟
لحظة أن وقفت فوق خشبة المسرح فى مواجهة آلاف الطلبة والطالبات بقاعة الاحتفالات باستاد الزقازيق، أدركت أن هذا ليس تكريما شخصيا لى، ولكنه احتفاء بالورقة والقلم. تقدير لكل زميل صحفى يمارس المهنة بحب وانتماء لها وللوطن، ويراها رسالة. كنت على حافة اليأس وأنا فى الطريق إلى جامعة الزقازيق، بعد ما يقرب من 34 عاما من ممارسة عمل يبدو كأنه «أذان فى مالطا». لكنى وجدت الرسالة تصل، والأمل يتصل، ويرتفع. فهناك من يتلقى الرسالة ويؤمن بها مثلنا، وهم الآلاف من طلبة جامعة الزقازيق (تضم الجامعة 110 آلاف طالب، وتشرف على 30 ألف دراسات عليا وماجستير).
جامعة الزقازيق مثل جامعات المنصورة وأسيوط وحلوان، والقناة والإسكندرية، وغيرها من جامعات مصرية حكومية وخاصة. إنها منارات للعلم وللبحث وللعمل الجاد، وترسيخ الانتماء. وأعتقد أن جامعتى الزقازيق والمنصورة تمثلان جناحى التنوير فى قلب الدلتا.
ويوم أن يفوز كل شاب بحق المعرفة، فإنه سوف يستند عليه من أجل حقوقه الأخرى، مثل العلاج، والسكن، والملبس، والحياة الكريمة، وحقوقه السياسية، والأخيرة تبدو نوعا من الترف الآن.. وإن كان البعض يرى أن الحقوق السياسية تسبق كل الحقوق الأخرى، وأن تلك الحقوق الأخرى تعد نتيجة منطقية للفوز بالحقوق السياسية..
لن أدخل فى الجدل، إلا أن الحق فى العلاج من أهم الحقوق. وفى هذا الإطار قدمت محافظة الشرقية 12 ألف متر مربع لإنشاء معهد للأورام، يخدم محافظات شرق الدلتا والقناة وشمال وجنوب سيناء. وهو مشابه لمستشفى 57357 بالقاهرة. وبدأ العمل فى إنشاء المعهد فعلا وأنفق عليه 20 مليون جنيه، من التبرعات ومن ميزانية الدولة.. والمبالغ المطلوبة تقترب من 200 مليون جنيه كى يبدأ المعهد العمل وخدمة المواطنين.
مصر فى أشد الحاجة إلى تلك المراكز البحثية العلاجية. فلا يمكن استمرار مركزية العلاج بالقاهرة خاصة بالنسبة لأمراض السرطان والكبد والقلب.. والحق فى العلاج من الحقوق الأصيلة للناس. وبقدر ما نطالب أصدقاء الخير ومحبيه بالتبرع، فإننا ندعو الدولة بقوة لأن تقوم بدورها، فلا يعقل أن يتحمل الشعب نفقات تأسيس وإنشاء المراكز البحثية والمستشفيات المتخصصة. وعليكم أن تتخيلوا ما يتحمله طفل مريض بالسرطان يسافر من الزقازيق إلى القاهرة بحثا عن علاج!
عدت من محافظة الشرقية سعيدا، بحماس شباب الجامعة، وشعرت أن سنوات العمر لم تهدر فى الورقة والقلم، وفى الظن بأننا نمارس رسالة لا تصل، لأننى وجدتها وصلت إلى هؤلاء الشباب. الحمد لله.
مصر لم تعد تحتمل سنوات ضائعة أخرى دون أن تجمع شبابها وشعبها، وتدفعهم للعمل الجاد فى كل موقع، مهما كان العمل صغيرا ومهما كان الموقع.
يبقى أنى عدت أيضا من الشرقية وأنا أدرك أن مصر ليست القاهرة الغاضبة، المزدحمة، المختنقة، المتخانقة، المحبطة، اليائسة. هناك مصر الأخرى خارج القاهرة. مصر التى يحاول رجالها وشبابها العمل بجد.. مصر التى ترى الأمل قادما.. ولو من بعيد..
اليوم أشكر الورقة والقلم!