ساركوزى يقود الحرب ضد الإسلام فى أوروبا
محمد السماك
آخر تحديث:
الأحد 1 مايو 2011 - 9:55 ص
بتوقيت القاهرة
نعى الرئيس الفرنسى نيقولا ساركوزى التعددية فى فرنسا، وهذا يعنى أن على المسلمين الفرنسيين الذين يزيد عددهم على خمسة ملايين شخص أن يذوبوا فى المجتمع العلمانى الفرنسى، وقد أصدر الرئيس الفرنسى مذكرة تتضمن 26 مادة تحدد مواصفات الالتزام بقواعد هذا المجتمع، منها إجبار الطلاب المسلمين فى المدارس الرسمية على حضور الدروس المتعلقة بالمحرقة اليهودية ــ هولوكوست، وكانت الحكومة الفرنسية قررت إدراج هذه المادة فى البرنامج التربوى الفرنسى، غير أن الطلاب المسلمين كانوا ينسحبون من الصفوف الدراسية عندما يحين عرض هذه القضية، اما الآن وبموجب قانون الاندماج أو الذوبان فإن الانسحاب ممنوع!
ومن الأمور الأخرى التى تضمنتها المذكرة الرئاسية، حمل الطالبات المسلمات فى المدارس على الخضوع للفحص الطبى الدورى على أيدى أطباء ذكور، وكانت بعض الطالبات يؤثرن الخضوع للفحص أمام طبيبات نساء، ومن هذه الأمور كذلك منع أداء صلاة الجمعة أو صلاة العيد فى الشوارع أو الساحات العامة، فالمسلمون، خصوصا فى مدينتى باريس ومرسيليا، يضطرون بسبب عدم الترخيص لهم ببناء مساجد، أن يؤدوا الصلاة على أرصفة الشوارع القريبة من المساجد بسبب ضيق هذه المساجد عن استيعاب المصلّين.
●●●
يقدر عدد المساجد والمصليات فى فرنسا بنحو الألفين، إلا أن أكثر من تسعين بالمائة منها هو عبارة عن غرف أو قاعات فى مبان يؤدى فيها المسلمون صلواتهم الخمس، ونظرا لضيق هذه الأمكنة فإنهم يضطرون أيام الجمعة والأعياد إلى أداء الصلاة على الأرصفة، وحتى فى بعض الشوارع الفرعية المجاورة للمساجد المرخص بها، وقد وصفت مارى لوبان زعيمة الحزب الوطنى اليمينى المتطرف والتى تنافس الرئيس ساركوزى على الرئاسة، صلاة المسلمين فى الشوارع بأنها «مماثلة للاحتلال النازى لفرنسا». ودعت إلى طرد المسلمين لأنهم لا يحترمون ولا يلتزمون بما تعتبره «آداب الحياة الاجتماعية الفرنسية»، مع ذلك صدرت انتقادات معاكسة من رئيس بلدية باريس نفسه وهو اشتراكى، تقول إن منع المسلمين من أداء الصلاة فى الشوارع دون حل مشكلة الترخيص ببناء مساجد لهم يعنى اضطهاد المسلمين ومنعهم من أداء مشاعرهم الدينية، وفى محاولة لمعالجة هذه الإشكالية وافقت الدولة على مبدأ تقديم مساعدات مالية من دول أو من منظمات أو شخصيات إسلامية لبناء المساجد، ولكن بشرط الإعلان عنها لمعرفة المصدر ولتحديد الجهة المستفيدة، وتقوم الدولة الفرنسية ببناء مجمع ثقافى إسلامى تبلغ نفقاته 22 مليون يورو، وستخصص مساحات منه للمعارض وللعروض الفنية والموسيقية، أما بشأن الصلاة، فإن المجمع يطرح بيع «غرف» خاصة من المجمع بقيمة 6 ملايين يورو للغرفة الواحدة لتحويلها إلى مصليات!!.
قد يحمل هذا العرض حلا محدودا للصلاة، ولكن لا توجد حلول لقضايا عديدة أخرى يعانى منها المسلمون، منها حاجتهم إلى مسالخ لذبح الخراف على الطريقة الشرعية، ومنها أيضا حاجتهم إلى مقابر لدفن موتاهم، ويشكل هذا الواقع السلبى انتهاكا لحقوق الإنسان ولحقوق الجماعات التى نادت بها الثورة الفرنسية والتى يكرسها الدستور الفرنسى أيضا، يبرر الرئيس الفرنسى ساركوزى الإجراءات الجديدة التى أقرتها حكومته بأنها تؤكد على أسس وقواعد العلمانية التى التزمت بها فرنسا منذ عام 1905، وبالتالى فإن أى خروج على هذه الأسس والقواعد هو خروج على المجتمع الفرنسى.. وخروج منه، ومن هنا كان موقفه الرافض لحجاب المرأة ومن ثم للبرقع، معتبرا أنه يجرد المرأة من إنسانيتها ويطعن فى حقوقها، وبهذا الموقف يحاول الرئيس ساركوزى كبح جماح اندفاع منافسته على الرئاسة، السيدة لوبان، فى الانتخابات المقررة فى العام المقبل، فاستطلاعات الرأى تشير إلى ان لوبان تتقدم عليه، وتشير هذه الاستطلاعات أيضا إلى أن تطرف لوبان فى عدائها للمسلمين الفرنسيين خاصة وللأجانب عامة يزيد من شعبيتها، ولذلك يحاول الرئيس ساركوزى قطع الطريق عليها باتخاذ قرارات (وليس مجرد تصريحات) تلحق ضررا أشد بالمسلمين الفرنسيين وبأوضاعهم، فالتنافس بين ساركوزى ولوبان على استرضاء الناخب الفرنسى يجرى على حساب حقوق المواطن الفرنسى المسلم؛ وهو تنافس جديد فى الحياة السياسية الفرنسية، وأغرب ما فيه أنه يجرى فى الوقت الذى تقود فيه فرنسا حملة عسكرية للدفاع عن حقوق الإنسان فى ليبيا (والليبيون المنتهكة حقوقهم هم من المسلمين)، فى الوقت الذى تتعرض فيه حقوق الإنسان (المسلم) فى فرنسا ذاتها إلى الانتهاك، تشكل هذه الخلفية الفكرية الأساس الذى يقوم عليه الموقف الفر+نسى من طلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، فالرئيس ساركوزى يعارض بشدة هذا الطلب، ليس لأن تركيا تفتقر إلى الديمقراطية أو إلى مستوى معين من النمو الاقتصادى، ولكن لأن شعب تركيا الذى يبلغ نحو السبعين مليونا، يشكل المسلمون أكثر من تسعين بالمائة منهم، ويقول الرئيس ساركوزى إن الاتحاد الأوروبى يضيق ذرعا بالمواطنين المسلمين فى دول الاتحاد والذين يزيد عددهم على 17 مليونا، فكيف إذا أضيف اليهم 70 مليونا آخرين؟!، ليس الرئيس الفرنسى وحده الذى يتخذ هذا الموقف، فقد سبقته اليه هولندا، وأعلنت ألمانيا على لسان المستشارة أنجيلا ميركل أن تجربة التعددية فى ألمانيا قد فشلت، وتقوم فى دول أوروبا أحزاب يمينية متطرفة تناصب المسلمين العداء، من هذه الأحزاب: حزب الحرية الهولندى، وحزب الشعب الدانماركى، ورابطة ــ الشمال ــ الإيطالى، وحزب الحرية النمساوى، وحزب رابطة الدفاع البريطانى، إلى جانب حزب الجبهة الوطنية الفرنسى.
●●●
ويبدو أن مشاعر الكراهية والخوف من الإسلام ــ الإسلاموفوبيا ــ تتضخم فى أوروبا مثل كرة الثلج، الأمر الذى يطرح علامتى استفهام كبيرتين، الأولى هى: لماذا؟ أما علامة الاستفهام الثانية والأهم فهى: ماذا تفعل الدول والمجتمعات والمنظمات الإسلامية من أجل كبح جماح هذه الظاهرة وتصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام؟، بقدر ما تسهل الإجابة عن السؤال الأول، يبدو السؤال الثانى مستعصيا على أى جواب، وذلك لسبب بسيط، وهو أن كل ما فعلته هذه الدول والمجتمعات والمنظمات حتى الآن هو الشكوى.. واتهام الغرب بالتعصب.. من دون ممارسة نقدية للذات ومن دون محاولة جادة لتجسير الهوة المعرفية عن الإسلام فى المجتمعات الغربية، ويخشى إذا اتسعت وتعمقت مشاعر الكراهية أن يصبح المسلمون هدفا للتمييز العنصرى والدينى فى الغرب، كما جرى مع اليهود من قبل!!.