إيران ليست مصر

أمل حمادة
أمل حمادة

آخر تحديث: الأحد 1 مايو 2011 - 10:02 ص بتوقيت القاهرة

 فى 11 فبراير 1979 سقط نظام الشاه بهلوى فى إيران بعد حكم استمر ما يزيد قليلا على ثلاثين عاما، وفى 11 فبراير 2011 سقط رأس النظام المصرى بعد أن قرر الرئيس السابق مبارك التخلى عن الحكم، مسلما مقاليد الدولة إلى المجلس العسكرى بعد حكم قصر قليلا عن ثلاثين عاما، وما بين التجربتين مخاوف وشكوك حول نقاط التشابه بين الدولتين والتجربتين الثوريتين، وما بين اشتراك الدولتين فى الكثير من الظروف الاقتصادية التى تجعل كلا منهما من الدول التى يعانى مواطنوها من انخفاض الدخل الفردى، بالرغم من كون إيران من اكبر الدول المنتجة والمصدرة للبترول، واشتراكهما فى توافر بعض مؤشرات الديمقراطية كالانتخابات البرلمانية والرئاسية، وبعض صور حرية التعبير فى الصحافة، فهما ايضا تعانيان من غياب لأى وجود حقيقى لثقافة الديمقراطية أو مؤسساتها.
وكانت إيران 1979 قد انتفضت ضد حكم الشاه وما يمثله على المستوى الاقتصادى والاجتماعى والسياسى والثقافى، وقدم النظام السياسى الجديد نفسه على اعتبار أنه صوت المستضعفين والمظلومين فى داخل إيران وخارجها، ولكن عبر ثلاثين عاما من التفاعل السياسى، انتقل النظام السياسى الإيرانى من معسكر المستضعفين إلى معسكر النظم السياسية التى تعانى من العديد من مظاهر انخفاض الشرعية وتزايد درجات الاحتجاج الشعبى، وشكلت فترتا رئاسة أحمدى نجاد (خاصة الفترة الثانية) قمة التصعيد من جانب المعارضة الإيرانية التى باتت تدعم أشكالا اخرى لأسس شرعية النظام السياسى، تقيد أو حتى تلغى دور المرشد الاعلى فى مصفوفة النظام السياسى الإيرانى.

●●●

وسبقت الجماهير الإيرانية اى من الجماهير العربية فى محاولتها التخلص من سيطرة تيار واحد على مقدرات الاقتصاد والسياسة واحتكاره الحديث باسم الإيرانيين، برغم تعدد الاطياف السياسية والاثنية والاقتصادية فى المشهد الإيرانى. ونذكر جميعا الازمة الإيرانية التى صاحبت الانتخابات الرئاسية فى صيف 2009، والتى شابها العديد من التجاوزات وطالتها العديد من تهم التزوير سواء فى إرادة الناخبين أو فى إدارة العملية الانتخابية نفسها، ولم تستطع حركة المعارضة الإيرانية برموزها من التيار الاصلاحى ولونها الاخضر الذى اتخذته شعارا لها أن تحسم مواجهتها مع النظام الحاكم واجهزته العسكرية القمعية، خاصة فى ضوء تقاعس المجتمع الدولى والاقليمى عن تأييد مطالب المعارضة الإيرانية.
وبالرغم من الصور الدموية التى حملتها وكالات الانباء العالمية نقلا عن المتظاهرين الإيرانيين، فقد توقفت مساندة المجتمع الدولى عند حد التعاطف الشفهى ومناداة الحكومة الإيرانية بضرورة التعامل بحكمة مع مطالب المتظاهرين، مما مكن النظام فى النهاية من حسم تلك الجولة لصالحه بالرغم من تصاعد حجم ووتيرة الاضطرابات، وشكلت المساندة التى قدمها المرشد الاعلى لأحمدى نجاد الرئيس المنتخب (والمطعون فى شرعيته من جانب المتظاهرين) اهم اداة استطاعت من خلالها المؤسسات القمعية للدولة الإيرانية تحقيق استمرار النظام، حتى جاءت لحظة استعادة الوعى العربى.
بدأت هذه اللحظة مع انفجار الاوضاع فى تونس الخضراء، والتى انتهت بهروب بن على وبداية مرحلة جديدة فى التاريخ التونسى، يحاول من خلالها التوانسة إيجاد قواعد جديدة للتعامل بين النخبة والجماهير، تضمن نصيبا اعلى للجماهير على حساب النخبة فى صنع السياسة وفى توزيع العوائد، وتبعتها على نفس الدرب مصر بالرغم من تأكيد المسئولين المصريين السابقين بأن مصر ليست تونس، وبعد ثمانية عشر يوما من التصعيد بين الحكومة والمتظاهرين، قرر مبارك التخلى عن منصبه وتسليم مقاليد البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبدأت اجراس التغيير تدق فى عواصم ومدن عربية أخرى؛ عمان والبحرين وصنعاء وبنى غازى والجزائر وبغداد وغيرها من عواصم وبلدان، احست بقدرتها على الفعل وتغيير معادلات القوة السياسية،وفى كل مدينة تبدأ بها المظاهرات تتكرر جملة أن الظروف مختلفة وأن هذه الدولة ليست كمصر وتونس.

●●●

رد الفعل الإيرانى الرسمى على الأحداث العربية عامة والمصرية خاصة كان مناصرا ومؤيدا ومحتسبا الضحايا شهداء للحرية وللانتصار على الطغيان، واصدر المرشد الأعلى بيانات حيا فيها الثوار المصريون واعتبر ان الثورة المصرية استلهاما للثورة الإيرانية المستمرة ضد قوى الاستكبار الداخلى والخارجى، وهو الامر الذى آثار تحفظات عديدة فى الداخل المصرى والخارج الاقليمى والدولى، وانضمت الجماهير الإيرانية خاصة من صفوف المعارضة الإيرانية إلى هذا الموقف الرسمى الداعم لحركة الشارع المصرى، وتجددت المظاهرات الإيرانية المطالبة بحقوق كثيرة الشبه بمطالب المصرييين «التغيير والحرية»، وتولى موسوى وغيره من رموز التيار الإصلاحى الدعوة إلى تجديد المظاهرات السلمية، التى تدعو للضغط على النظام السياسى من أجل الإصلاح والانفتاح على المجتمع الإيرانى بجميع طوائفه الدينية وغير الدينية، والراغبة فى مزيد من الاشتراك فى صنع القرار ومراقبته وتحمل عوائده أو الاستفادة منه، وسرعان ما كشف النظام السياسى عن رغبته الحقيقية فى عدم التضامن الفعلى مع الطموحات المصرية ونقل التجربة إلى الواقع الإيرانى، فسرعان ما دارت عجلة القمع وتجددت المواجهات الدامية بين الجماهير وقوات الأمن الإيرانية، واستمر تجاهل المجتمع الدولى والاقليمى لما يحدث فى داخل إيران حتى انتهى مؤقتا بنفس الطريقة التى انتهت بها أزمة الانتخابات الرئاسية 2009، فهل يعنى هذا ان إيران ليست مصر؟ الواقع أن من يؤمن بقدرة الشعوب فى العالم أجمع على الاختيار لابد أن يجيب بلا، فكل الدول يمكن أن تستلهم تجربة ديمقراطية تحدث فى سياق آخر ــ ولكن بشرط توافر الظروف الموضوعية والذاتية، فمازال النظام الإيرانى يمتلك القدرة على القمع بشكل يفوق قدرة المتظاهرين الإيرانيين على التحمل، كما أن الوضع الاقليمى والدولى يبدو غير مهتما بالداخل الإيرانى بالقدر الذى يهتم به بامتداد النفوذ الإيرانى فى الخليج العربى أو المنطقة العربية بشكل عام، ولذلك يبدو انه فى الظرف الراهن أن إيران مؤقتا ليست مصر أو تونس، ولكن مؤقتا فقط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved