ماذا تريد دول الخليج من أوباما؟
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 1 مايو 2015 - 9:25 ص
بتوقيت القاهرة
اجتماع مختلف.. ذلك الذى سيجمع الرئيس الأمريكى باراك أوباما بملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجى يومى 13 و14 من هذا الشهر فى البيت الأبيض ومنتجع كامب ديفيد الرئاسى. ويهدف الرئيس الأمريكى لطمأنة حلفائه الخليجيين من بواعث القلق لديهم بشأن الاتفاق المبدئى الذى توصلت إليه إيران مع الدول الست الكبرى حول وقف برنامجها النووى العسكرى مقابل رفع للعقوبات المفروضة عليها. ويعتقد الكثيرون فى العاصمة الأمريكية أن أحد أهم وسائل طمأنة حلفاء واشنطن من العرب هو بيعها المزيد من الأسلحة الأمريكية، إلى جانب دعم التواجد الأمريكى العسكرى فى هذه الدول. ويبدو أن هذه الترتيبات لا تكفى لإقناع قادة هذه الدول الذين يسعون من جانبهم فى محاولة صعبة لتوقيع نوع ما من أنواع اتفاقيات الدفاع المشترك التى توثق لالتزام الولايات المتحدة بحماية دول الخليج حال تعرضها لأى تهديدات خارجية. سيطلب زعماء الخليج من جانبهم أن تمدهم ادارة أوباما بأحدث ما تنتج المصانع الأمريكية من أسلحة متطورة، وبالطبع سيرحب الرئيس الأمريكى بتلك الطلبات. إلا أن الطلب الخليجى الأكثر الحاحا والمتمثل فى محاولة توثيق الالتزام الأمريكى تجاه أمن دول الخليج فسيظل معلقا.
•••
لم تشهد العلاقات الأمريكية الخليجية العسكرية إلا النمو منذ بدء ربيع العرب عام 2011، وقبل ذلك عرف الخليج وجودا عسكريا أمريكا واسعا عقب غزو العراق للكويت عام 1990 وقيادة الجيش الأمريكى لعملية تحرير الكويت. ويبقى اليوم آلاف العسكريين الأمريكيين داخل الكويت فى عدة معسكرات أهمها معسكر الدوحة ومعسكر عريفجان. ومكثت قوات أمريكية فى قواعد عسكرية أمريكية بالسعودية أهمها «قاعدة الامير سلطان» قبل أن تنتقل لقاعدة «العديد الجوية» فى دولة قطر عام 2003 والتى تستضيف بدورها أيضا قاعدة السيلية العسكرية والتى كانت مركزا هاما للعمليات العسكرية أثناء الحرب على العراق عام 2003. كما تستضيف البحرين الأسطول الخامس الأمريكى الذى يعد الذراع البحرية الأمريكية فى منطقة الخليج العربى وبحر العرب وبحر عمان والبحر الأحمر والساحل الشرقى لأفريقيا. ويضم الأسطول ــ إضافة لعدد كبير من القطع البحرية وحاملة الطائرات ــ أعدادا ضخمة من الطائرات المقاتلة والمروحيات، إضافة لما يقرب من 20 ألف جندى أمريكى. أما دولة الإمارات فقد وقعت عام 1994 مع الولايات المتحدة اتفاقية تعاون أمنية بقى بمقتضاها 5 آلاف عسكرى أمريكى متمركزين قرب ميناء جبل على وقاعدة الظفرة الجوية. ومنذ عام 2000 يتلقى ما بين 6 آلاف و8 آلاف عسكرى إماراتى تدريبات عسكرية فى الولايات المتحدة، كما وقعت حكومة أبو ظبى عقودا أمنية مع شركات خاصة مثل «ريفليكس رسبونس» لتقوية برامج التدريب الإماراتية العسكرية.
•••
نمط الانفاق على برامج تسليح الدول الخليجية ارتفع بشدة حتى قبل بدء مفاوضات إيران النووية مع الدول الكبرى. وسمحت زيادة أسعار النفط خلال السنوات السابقة ووصولها لما يزيد على 120 دولارا أمريكيا للبرميل الواحد إلى تفهم نمط الانفاق الضخم. إلا أن ما لا يمكن تفهمه يتعلق بعدم تخفيض هذه المشتريات على ضوء انخفاض أسعار النفط لما يصل لنصف الرقم السابق والذى عرفت معه الميزانيات الخليجية عجزا ماليا فى موازنتها العامة. خلال عام 2014 تعاقدت المملكة السعودية على قائمة مشتريات عسكرية تتعد 80 مليار دولار، فى حين أنفقت دولة الامارات ما لا يقل عن 23 مليار دولار، فى حين بلغ أجمالى المشتريات القطرية من السلاح الأمريكى 11 مليار دولار فى شكل طائرات هليكوبتر أباتشى، ومنظومة صواريخ باتريوت، ومنظومة دفاع جوى من طراز جافلين. واستدع نمط المشتريات العسكرية الخليجية أن تفتتح شركتا بوينج ولوكهيد مارتن مكاتب مبيعات دائمة فى مدينة الدوحة لخدمة عملاء الخليج.
•••
فهم ورؤية أوباما لمنطقة الخليج يشوبها بعض الارتباك، لذا لا تعطى القيادات الخليجية آراء أوباما الكثير من الأهمية خاصة مع إدراكها أن حكمه قارب على الانتهاء. خلال لقائه الأخير مع كاتب نيويورك تايمز توماس فريدمان عقب توقيع اتفاق إيران، قال أوباما أيضا إنه سيجرى حوارا صعبا مع حلفاء الولايات المتحدة العرب فى الخليج، سيعد خلاله بتقديم دعم أمريكى قوى ضد الأعداء الخارجيين، لكنه سيقول لهم إن عليهم معالجة التحديات السياسية الداخلية، وأضاف انه سيبلغ دول الخليج أن عليها أيضا أن تكون أكثر فعالية فى معالجة الأزمات الإقليمية. وكان آخر ما ذكره أوباما فى حديثه عن الخليج قوله إن شراء الأسلحة والتطمينات الأمريكية ربما يخفف بعضا من مخاوف الخليج و«يسمح لهم بإجراء حوار مثمر أكثر مع الإيرانيين». وأعتقد أنه لا يجب على دول الخليج أن تنتظر كلمات الرئيس الأمريكى كى تخرج من مضاجع خوفها من عودة إيران للجماعة الدولية.
ورغم كل لغات وأساليب التخويف من عودة إيران، علينا أن نتذكر على سبيل المثال وجود ما لا يقل عن 400 ألف إيرانى يعيشون ويعملون فى إمارة دبى وحدها، وهذا على الرغم من وجود نزاع طويل على بعض الجزر الصغيرة.
•••
مخاوف قادة الخليج من إمكانية إقدام واشنطن على بيع مصالحها الإقليمية فى الخليج من أجل «صفقة كبرى» مع إيران هى مخاوف لا مبرر لها. تقوم سياسة واشنطن فى الخليج أساسا على منع أى قوة أخرى غيرها من الهيمنة، والعرب يرحبون بذلك سرا وعلنا.
العرب دائما يلمون الادارات الأمريكية على نقطتين: الأولى تتعلق بكل ما تقوم به واشنطن، والثانية تتعلق بكل ما لا تقوم به واشنطن. على العرب وحكامهم أن ينضجوا وأن يسيطروا على مقدراتهم ومصائرهم، فهم لديهم كل الموارد اللازمة، إلا أنه لا يزال تنقصهم القيادة والإرادة.