عن طغيان الأمنى وصناعة الأعداء
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الإثنين 1 يونيو 2015 - 10:40 ص
بتوقيت القاهرة
حين تتمكن السلطوية الحاكمة من مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية، حين تخضع فاعليات المجتمع المدنية والأهلية لإرادتها قمعا وتعقبا وتقييدا وتهديدا، حين تفرض على المواطن إما تأييد الرأى الرسمى الواحد أو الرضاء بالصمت وتجاهل المظالم والانتهاكات والضحايا والبحث فقط عن العوائد الشخصية أو قبول التهجير من المجال العام والامتناع عن التعبير الحر عن الرأى أو تعرضه للظلم والتمييز والاستبعاد ــ فإن هاجس «الأمن» مختزلا فى بقاء السلطوية الحاكمة وفى حماية المصالح الاقتصادية والمالية والإدارية المتحالفة معها وفى الضغط المستمر على المعارضين يتحول إلى «الأولوية الأولى» ويطغى على كل ما عداه من مكونات قد تزين هنا وهناك الخطاب الرسمى كسيادة القانون والعدالة الاجتماعية والتنمية المستديمة ويهمش الكثير من الاعتبارات التى ربما يراد الانتصار لها من قبل الحاكم الفرد أو القلة المحيطة به كتحسين ظروف الناس المعيشية ومحاربة الفساد وتطوير أداء الجهاز البيروقراطى للدولة وغيرها.
طغيان الأمنى، إذن، هو أزمة السلطوية الحاكمة الكبرى التى تنزع عن ادعاءات خطابها الرسمى المصداقية الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية، وتجردها تدريجيا فى مجال السياسات العامة من القدرة الفعلية على إنجاز التغيير الإيجابى وإن عرف بمضامينه الاقتصادية والاجتماعية فقط وعلى تحقيق التقدم وإن اختصر فى الحد من الفساد والإصلاح المؤسسى.
طغيان الأمنى، إذن، هو أزمة السلطوية الحاكمة الكبرى التى تدفعها إلى التوسع المطرد فى العصف بسيادة القانون وفى توظيف الأدوات القمعية وفى السيطرة على المجال العام والنقاشات العامة عبر عمليات غسل أدمغة الناس ــ تارة بالترويج للحاكم الفرد كالبطل المنقذ ومناط الأمل الوحيد، وثانية بتشويه وتخوين المعارضين السلميين وتجريدهم زيفا من كل قيمة أخلاقية وإنسانية ووطنية، وثالثة بالمقايضات السلطوية التقليدية «إما الخبز والأمن وإما الحق والحرية»، ورابعة بالاستراتيجيات التحايلية والتأجيلية المعهودة «ليس هذا بوقت الحديث عن حقوق الإنسان والحريات» والحديث عن القانون والحق والحرية «ليس إلا ترفا والأمة تواجه الإرهاب والعنف»، وخامسة بطلب الصبر على «القيادة» وإدراك وتقدير «الإنجازات التى تحققت» حتى وإن كانت حياة المواطن اليومية تحيط بها المظالم والانتهاكات والتمييز من كل جانب.
طغيان الأمنى، إذن، هو أزمة السلطوية الحاكمة الكبرى التى تورطها هيكليا فى رفض التداول الحر للمعلومات وللحقائق لكى لا يمتلك الناس من المعرفة ما قد يساعدهم على مقاومة غسل الأدمغة والتخلص من تزييف الوعى، وتورطها هيكليا أيضا فى توظيف مؤسسات وأجهزة الدولة وفى توظيف سيطرتها على المجال العام لصناعة صنوف تتجدد باستمرار من الأعداء/ الخونة/ المتآمرين وإلصاق اتهامات متنوعة بهم والترويج لمسئوليتهم عن تعطل الإنجاز والتقدم ومن ثم لحتمية «التوحد الوطنى» فى مواجهتهم. والمقصود طبعا هو تأييد السلطوية الحاكمة فى قمع أولئك المصنفين كأعداء/ خونة/ متآمرين ــ طبعا على الاختلاف والتباين الشديدين فى هوياتهم ومواقفهم وأدوارهم، والأهم هو إعفاء الحاكم الفرد والقلة المحيطة به ونمط إدارتهم لشئون المواطن والمجتمع والدولة الذى يتجاهل الشفافية والرقابة والمساءلة والمحاسبة من المسئولية عن تواصل التعثر الاقتصادى والاجتماعى وغياب تحسن الظروف المعيشية، بينما تستمر المظالم والانتهاكات ويتضح تهافت المقايضة السلطوية «إما الخبز والأمن وإما الحق والحرية» وانقلابها إلى لا خبز ولا أمن ولا حق ولا حرية.
طغيان الأمنى، إذن، هو أزمة السلطوية الحاكمة الكبرى التى أصبحت ملامحها حاضرة معنا فى مصر، ولم تعد تفاصيل عمليات غسل الأدمغة والصناعة المتجددة باستمرار لصنوف الأعداء بخافية على الناس.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.