لا جزر منعزلة هنا!
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأربعاء 1 يونيو 2016 - 10:11 م
بتوقيت القاهرة
ليس بمستغرب أن يكون تحسين الظروف المعيشية هو أولوية أغلبية المواطنات والمواطنين، على ما أشار إليه استطلاع رأى أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة).
خلال السنوات الماضية أحبطت مرارا التطلعات المشروعة للفقراء ومحدودى الدخل، فلا نسبة الفقر تراجعت ولا مستويات الخدمات الأساسية ارتقت ولا الفجوة الواسعة بينهم وبين من يملكون قلت. خلال السنوات الماضية تابعت أن المواطنة الفقيرة أو نظيرتها محدودة الدخل الترويج الحكومى المستمر لمشروعات قومية كبرى، واستمعت إلى التأكيدات الرسمية بشأن التأثير الإيجابى والفورى لتلك المشروعات على حياة الناس وقدرتها على انتشالهم من الفقر والعوز. ولأن الحكومة رفعت سقف التوقعات الشعبية وتجاهلت حقيقة أن نتائج المشروعات الكبرى لا تظهر سريعا وسفهت من الآراء الموضوعية التى أقرت بالجدوى التنموية لبعض تلك المشروعات وتخوفت من غيابها لجهة البعض الآخر، لم يجد الفقراء ومحدودو الدخل من يقنعهم باستحالة التنمية السريعة وصعوبة التحسين الفورى لظروفهم المعيشية ويدعوهم بعقلانية إلى إدراك أن الخروج من الفقر والعوز وغياب العدالة الاجتماعية يستدعى وقتا وعملا. ومن ثم عادت أغلبيتنا إلى المزيج التقليدى من الإحباط والعزوف والانصراف عن الحديث الرسمى.
غير أن عاملين سلبيين إضافيين أسهما أيضا فى الاستسلام الشعبى لذلك المزيج التقليدى. من جهة، وهو ما يدلل عليه أيضا نفس استطلاع رأى المركز المصرى لبحوث الرأى العام الذى بدأت به هذه الأسطر، تصنف نسبة كبيرة من المواطنات والمواطنين (تتجاوز ٤٠ بالمائة) القضاء على الفساد كأولوية قصوى تلى مباشرة تحسين الظروف المعيشية. نحن، إذا، أمام قراءة شعبية لأحوالنا ترى فى محاربة الفساد مدخلا أساسيا للتغلب على الفقر والعوز، وتدرك أن استمرار شيوع الفساد يؤثر سلبيا على الأغلبية الفقيرة ومحدودة الدخل ويعمق من الفجوة الواسعة بينهم وبين الأقلية التى تملك الموارد وتحتكر الثروة.
ولأن بعض السياسات والممارسات الرسمية تصنع حالة من الشك العام بشأن «من يحارب من فى مسألة الفساد؟»، يتفاقم مزيج الإحباط والعزوف لدى الأغلبية ويصير أقرب إلى اليأس من القضاء على الفساد وفقدان الأمل فى الظروف المعيشية الأفضل وشىء من العدالة الاجتماعية.
من جهة أخرى، تستخف الحكومة كثيرا بتداعيات المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات على المزاج الشعبى العام. قد لا يأتى الاهتمام بحقوق الإنسان فى صدارة اهتمامات الفقراء ومحدودى الدخل، بل وقد لا يرصد على الإطلاق حين يسألون فى استطلاعات الرأى عن أولوياتهم. إلا أن تراكم المظالم والانتهاكات والاتساع الممنهج لنطاقها يعنى استحالتها إلى ظواهر يومية تقترب من الدوائر الأسرية والمهنية للمواطن الفقير ومحدود الدخل قبل نظيره متوسط أو ميسور الحال، وقد يصطدم بها الفقراء ومحدودو الدخل على نحو مباشر.
يقضى التناقض بين مظلومين يتعقبون وتسلب حريتهم ويتعرضون لانتهاكات أخرى وبين فاسدين تتأخر أو تتعثر مساءلتهم ومحاسبتهم على المعانى المتبقية للعدل لدى الفقراء ومحدودى الدخل فى مصر. ويدفعهم ذلك إلى المزيد من الشك فى إمكانية خروجهم من أزمة العدالة الاجتماعية الغائبة، والمزيد من فقدان الأمل فى الفرص الفعلية لتحسين أحوالهم وظروفهم المعيشية.
ليست الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كالجزر المنعزلة، وإن أرادت السلطة توهم ذلك أو إيهامنا نحن به.