ليبيا.. وإعادة هيكلة الوجود العسكرى الروسى فى إفريقيا

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: السبت 1 يونيو 2024 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

فى ظل انتشار الموجات المناهضة للوجود الأمريكى والأوروبى فى القارة الإفريقية وبالأخص فى منطقة الساحل الإفريقى، اعتزمت السلطات الروسية تشكيل قوات عسكرية خاصة تعرف باسم «الفيلق الإفريقى» فى ديسمبر 2023، والذى تم الكشف عنه مطلع العام الجارى، تتبع إدارة الفيلق الإفريقى سلطة الإدارة المباشرة وتحت رقابة المخابرات الروسية وبتمويل رسمى من الحكومة الروسية أيضًا. يتكون الفيلق الإفريقى بالأساس من مقاتلى مجموعة فاجنر الذين يشكلون تقريبًا نصف العدد الإجمالى لأفراد الفيلق، ثم إلى المقاتلين الروس الذين شاركوا فى الحرب الروسية الأوكرانية، يليهم المقاتلون حاملو الجنسية الإفريقية الراغبون فى الانضمام ومن ثَمّ المقاتلون السوريون، إضافة إلى مزيد من العناصر فى نطاق قوة عسكرية لا تقل عن 40 إلى 45 ألف مقاتل، كما يتكون الفيلق من فرقتين إلى 5 فرق حسب القدرات القتالية وحجم العناصر. ويحصل كل مقاتل على 3200 دولار كراتب رسمى بخلاف حصولهم على رعاية صحية وتأمينات اجتماعية.


أهداف الفيلق الإفريقى


ينتشر الفيلق الإفريقى فى 5 دول إفريقية وهى ليبيا وبوركينا فاسو ومالى وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر مع اتجاه أنظاره راهنًا إلى تشاد والسنغال. فالمتأمل للمشهد السياسى يرى أن وراء ذلك التمدد الروسى العسكرى هدفا رئيسيا هو المساعدة فى مواجهة النفوذ الاستعمارى الجديد للغرب على الدول الإفريقية ذات السيادة وحماية مواقع البترول والذهب التى استطاعت فاجنر الوصول إليها سابقًا، إضافة إلى دعم المجموعات المناهضة للوجود وللسياسات الغربية داخل الدول الإفريقية.

وقد قامت روسيا بالفعل بنقل مقاتلين وعسكريين روس إلى ليبيا فى الفترة من فبراير إلى أبريل من العام الجارى. حيث تشهد الأراضى الليبية وجود 1800 جندى روسى فى البلاد خلال الأسبوعين الماضيين. ويتم تجميعهم بشكل رئيسى فى شرق ليبيا تم نقل بعضهم إلى النيجر بينما بقى البعض الآخر فى ليبيا. وبحسب المصدر الأمنى الروسى، فإن الجنود موجودون فى ليبيا بشكل غير رسمى ويتم تقديمهم على أنهم ممثلون لشركة عسكرية خاصة. بالإضافة إلى ذلك، تم اكتشاف العديد من الأفراد من الجنسية السورية بين الأفراد الروس فى القواعد العسكرية. حيث تشير مصادر All Eyes on Wagner إلى وجود هذه الكتيبة الجديدة فى عدة قواعد تابعة للجيش الوطنى الليبى فى: الخروبة/ الخادم، الجفرة، طبرق، بالإضافة إلى قاعدتين أخريين فى الجنوب. أسباب التركيز الروسى على ليبيا كمنطلق للفيلق الإفريقى منذ سقوط معمر القذافى، كانت ليبيا ساحة معركة للنفوذ بين مختلف الجهات الخارجية، بما فى ذلك روسيا، التى ترى فى ليبيا نقطة حاسمة لبسط نفوذها عبر البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا. فموقع ليبيا على المتوسط وطول ساحلها، وكونها بوابة إفريقيا الشمالية يعنى أنها ستظل هدفًا لجميع القوى الدولية. حيث يمثل الموقع الاستراتيجى الليبى موطئ قدم للفيلق الجديد لتعزيز انطلاقته نحو أفريقيا، فروسيا تحضر بالفعل فى مواقع استراتيجية فيها، أبرزها قاعدة القرضابية وسط البلاد وميناء طبرق شرقى البلاد، كما تتمركز فى قاعدة الجفرة الجوية إلى جانب قاعدة براك الشاطئ، وذلك لضمان خطوط الإمدادات العسكرية وتحركات العناصر التابعة للفيلق إلى الدول الإفريقية الأخرى، الأمر الذى يهدد أى مصالح أو وجود لقوات غربية سواء أمريكية أو أوروبية فى المنطقة.

كما سبق أن وجدت عناصر فاجنر سابقًا فى مدينة سرت التى تبعد 450 كيلومترًا شرق العاصمة الليبية طرابلس، إذ كانوا يتمركزون فى قاعدة «القرضابية» الجوية وميناء سرت البحرى، وهو ما مكن قوات فاجنر فى أبريل 2019، من دعم قوات الجيش الوطنى الليبى التابعة للخليفة حفتر، وشمل هذا الدعم الأدوار القتالية المباشرة، والمساعدة اللوجستية، ونشر المعدات العسكرية المتقدمة مثل الطائرات المقاتلة والأنظمة المضادة للطائرات حيال شن هجوم ضد حكومة الوفاق الوطنى والتى تتخذ من طرابلس مقرًا لها. وقد ظهر اتجاه موسكو لتعزيز الوجود العسكرى منذ أشهر قليلة بعد تأسيس الفيلق الإفريقى بعد نقل قوات عسكرية إلى ميناء الحريقة بمدينة طبرق أقصى شرق ليبيا، بوصول دفعة من التجهيزات العسكرية التى تضم أسلحة وذخائر ومعدات وشاحنات عسكرية لتجهيز الفيلق الروسى الإفريقى، والذى نشرته وسائل إعلام محلية وهو ما يثير المخاوف والتحذيرات لدى القوى محلية منذ نهاية إبريل الماضى، بل الدولية أيضًا والتى من بينها الولايات المتحدة وأوروبا.
• • •
خلاصة القول، تجد وزارة الدفاع الروسية بتشكيلها للفيلق الإفريقى فرصة لمواجهة النفوذ الغربى وتدارك مكانة موسكو فى إفريقيا بعد 3 عقود من يثير هذا التمدد العسكرى الروسى فى إفريقيا انطلاقًا من ليبيا مخاوف عديدة لدى قطاعات واسعة من الشعب الليبى بما يثيره ذلك من احتمالات لتحّول بلدهم قاعدة للتمدد الروسى إلى إفريقيا (جنوب الصحراء)، وأيضًا استمرار هذا الوجود ضمن الصراع بين الروس والغرب على مناطق النفوذ، وهذا قد يجعل الوجود الروسى طويل الأمد، بل وتتحول ليبيا لمنطقة استقطاب متنازع عليها القوى الدولية.

هنا رامى
باحثة بوحدة الدراسات الإفريقية المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية
النص الأصلى: https://tinyurl.com/293dakay

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved