بين ٢٠١٣ و٢٠١٦.. تفسير تراجع الليبرالية واليسار فى مصر
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 1 يوليه 2016 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
بين صيف ٢٠١٣ وصيف ٢٠١٦، لم يسجل الوزن السياسى للقوى والأحزاب ذات اليافطات الليبرالية واليسارية سوى هزال مستمر.
خلال السنوات الثلاث الماضية واصل البعض الالتصاق بالسلطوية الجديدة وقبول فتات الحضور التشريعى والتنفيذى الذى تلقى به إليهم، بينما انسحب البعض الآخر من تأييدها بعد أن تورط فى تمكينها من الحكم ومن إطلاق يدها القمعية على المجتمع والمواطن وتحلق تدريجيا حول مواضع «معارضة» و«بحث عن بديل» لم تستقر مرتكزاتها أو تتضح معالمها. غير أن الاختيارين لم يحولا بين الليبراليين واليساريين وبين تراجع الدور وغياب الفاعلية، كما أنهما لم يقللا على الإطلاق لا من السيطرة الشاملة للسلطوية الجديدة على أمور الحكم ولا من انفرادها بإدارة شئون البلاد دون اعتبار لعدل أو حق أو حرية.
خلال السنوات الثلاث الماضية تراكمت المظالم دون أن تحد منها مشاركة مهادنى السلطوية من الليبراليين واليساريين فى المناصب التشريعية والتنفيذية، أو تسبب الانتقادات العلنية للمعارضين ارتفاعا ولو طفيفا فى منسوب حذر الأجهزة الأمنية والأجهزة الأخرى من التداعيات السلبية للعصف بسيادة القانون وانتهاك حقوق الناس وحرياتهم. فإذا كان فض اعتصام رابعة قد وقع وفى واجهة المشهد السياسى آنذاك حضور ليبرالى ويسارى فى مناصب تنفيذية متنوعة (من الرئاسة المؤقتة إلى مجلس الوزراء)، فإن الممارسات القمعية من سلب حرية الآلاف سجنا واختفاء قسريا إلى تعقب الأصوات الحرة فى الفضاء العام لم تمنعها بيانات الإدانة والشجب التى أصدرتها القوى والأحزاب المنعوتة بالمدنية.
كذلك، لم ترتب لا مهادنة ولا معارضة السلطوية الجديدة من قبل الليبراليين واليساريين تغيرا حقيقيا فى سطوة المكون الأمنى على مجمل المؤسسات التشريعية والتنفيذية منذ صيف ٢٠١٣. كما أن استراتيجيتى المهادنة والمعارضة لم يحدثا تحولا يذكر فى السياسات الرسمية باتجاه التزام فعال بقضايا التنمية المستدامة والعدل الاجتماعى والشفافية التى تحتفى بها برامج القوى والأحزاب «المدنية»، ولم يحميا النقابات المهنية (نقابة الأطباء ونقابة الصحفيين كمثالين) والعمالية (المستقلة) ومنظمات المجتمع المدنى (غير المستتبعة حكوميا) إزاء اليد القمعية أو الهوامش الصغيرة لحرية التعبير عن الرأى فى الفضاء العام من الإلغاء ومرتاديها من التعقب بخليط من الأدوات الأمنية وقرارات «الإسكات والاستبعاد» لرأس المال الخاص المستحوذ على كثير من وسائل الإعلام والمتحالف مع السلطوية الجديدة (حالة السيدة ليليان داوود وما سبقها من حالات مختلفة للإسكات فى الصحف والقنوات التليفزيونية الخاصة).
***
اليوم، لا يستطيع مهادنو ومعارضو الليبرالية واليسار المحاججة الموضوعية بشأن تراجع دورهم وغياب فاعليتهم.
لن تذهب بالمهادنين بعيدا إعادة تدوير حديث «الضرورات الوطنية والمؤامرات المحيطة بمصر» والمقولات المتهافتة عن «مسار تحول ديمقراطى منذ ٢٠١٣» بغية تبرير السلطوية والمراوحة بين إنكار وتجاهل مظالمها وانتهاكاتها.
ويظل الفشل هو المآل المحتوم لمعارضين حاليين يرفضون المراجعة الجادة لخطيئة الخروج على الإجراءات الديمقراطية منذ ثلاث سنوات ولجذورها التاريخية والمجتمعية الضاربة فى عمق تجربة الليبراليين واليسار (مقال السبت الماضى عن النزوع السلطوى للنخب العلمانية فى مصر) أو يصرون على مواصلة الترويج لخطاب «خطر الاستبداد الدينى» دون إدانة صريحة لواقع الاستبداد الأمنى الذى باتت البلاد به وأسفر عن إماتة السياسة بمعانيها التعددية وشاركوا هم فى صناعته.
يظل الفشل أيضا هو مصير معارضين بين صفوف الليبراليين واليسار يناورون بالانفتاح اللفظى على الأفكار القومية المغلقة وعلى أفكار الإصلاح الدينى (أو الاعتدال الدينى) لمقارعة السلطوية الجديدة فى مساحات تستدعيها باستمرار لضمان شىء من التأييد الشعبى (إنقاذ الوطن، حماية الدولة وتماسك مؤسساتها، منع التحاقنا بمصائر الجوار المنهار، الحرب على الإرهاب، مواجهة التطرف الدينى)، غير أنها مقارعة تخلو من المضمون الديمقراطى وتعجز عن إرساء مرتكزات مجتمعية وسياسية لمعارضة فعالة ولبديل حقيقى للسلطوية.
دون قراءة موضوعية لحصاد استراتيجيتى المهادنة والمعارضة بين ٢٠١٣ و٢٠١٦، لن يتجاوز ليبراليو مصر ويساريوها متلازمة تراجع الدور وغياب الفاعلية وهزال الوزن السياسى. دون إعادة النظر فى خطايا وأخطاء السنوات الماضية، دون توقف عن التحايل بمقولات متهافتة لتبرير السلطوية الجديدة أو باستنساخ أفكار غير ديمقراطية لمنافستها، دون بحث جاد عن برنامج واقعى لصناعة «بديل» (ربما بدائل)؛ سيتواصل استتباع المهادنين وتهميش المعارضين وسيستمر الرفض الشعبى لهم جميعا والعزوف العام عن قواهم وأحزابهم.