الأسئلة الصعبة بداية طريق الإصلاح
محمد الهوارى
آخر تحديث:
الجمعة 1 يوليه 2022 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
تابعت باهتمام شديد النقاش الذى دار على صفحات جريدة المصرى اليوم بين السيد منير فخرى عبدالنور والدكتور زياد بهاء الدين، حول إدارة ملف الديون المصرية. تناول المقالان جدوى ووجاهة إعادة جدولة الديون. وبدون الخوض فى التفاصيل أو استعراض موقفى من هذا الاقتراح والرد عليه، فهذا هو نوع الأسئلة الصعبة التى يجب أن نتناولها بالفحص والتمحيص. وسأطرح فى هذا المقال سؤال آخر من نوعية تلك الأسئلة الصعبة المطلوب طرحها اليوم والرد عليها بردود شافية وواضحة.
سؤالى هو: بعد مرور الأزمة الحالية، بأى شكل كان، هل نستطيع أن نعود لنفس أسلوب إدارة الاقتصاد؟ الإجابة فى رأيى: لا. يتوجب علينا أن ننظر للاقتصادات التى مرت من الأزمة بسلام لتكون عبرة لنا فى المستقبل. يميل الاقتصاد العالمى بطبيعته للنظام الرأسمالى، لذلك فإنه يمر بفترات الانتعاش والركود boom and bust، وبالتالى فالأزمة الجارية لن تكون الأخيرة، والأفضلية دائما ستكون للمستعد. تتميز الاقتصادات التى لم تتأثر بشدة إما بأنها اقتصادات حباها الله بموارد طبيعية جبارة نسبة لعدد سكانها، أو بأنها اقتصادات تتمتع بمناعة ومرونة أو ما يطلقون عليه resilience وذلك بسبب تنوع مواردها الاقتصادية. فكيف نبنى هذه المناعة؟ هل نحتاج لاستثمارات مليارية أو المزيد من مشاريع البنية التحتية؟ قد يتعجب القارئ عندما أقول إن ما نحتاجه قد لا يتكلف شيئا تقريبا. ما نحتاجه هو ما ناديت به مرارا فى مقالات سابقة وهو النظر بجدية فى القوانين والأنظمة الحاكمة والمتحكمة فى مناخ الاستثمار. احتارت الحكومة فى معضلة الاستثمار الأجنبى المباشر، ولماذا لا يأتى. كتبت منذ قرابة العامين روشتة من جملة واحدة كفيلة بعلاجه: الاهتمام بالمستثمر المحلى. المستثمر المحلى هو الأقدر على جذب المستثمر الأجنبى، فالمستثمر الأجنبى لن يخاطر بماله وهو يرى معاناة المستثمر المحلى. المستثمر المحلى هو أيضا الأقدر على تسويق الفرص الاستثمارية للمستثمرين الأجانب، وهو الأقدر على الحوار معهم بلغتهم التى يفهمونها، وهى لغة الحسابات والعائدات وحسابات المخاطر. الحكومة دورها الأمثل هو دور المنظم الذى يدير منظومة بغرض تعظيم الفائدة لكل الأطراف الفاعلة فى المنظومة stakeholders.
وهل من الممكن أساسا أن نمر من الأزمة بدون تقديم مراجعة وافية وواقعية وقابلة للتصديق credible لأسواق التمويل العالمية؟ غالبا لا. تناولت شركة كابيتال إيكونوميكس فى ورقة بحثية حديثة مبادرات الحكومة الأخيرة لتعظيم دور القطاع الخاص، وشككت الشركة فى النوايا مستندة على الماضى القريب؛ حيث كانت هناك مبادرات مشابهة لم تثمر عن إنجازات على أرض الواقع. إذن فهذه نظرة يجب أن تتغير، ولن تتغير سوى بتقديم خطة واضحة قاطعة واتخاذ خطوات سريعة على أرض الواقع من شأنها تحسين مناخ الاستثمار. وحتى إذا مررنا من الأزمة بدون هذه المراجعات، فماذا سيحدث عندما تحدث الأزمة العالمية التالية؟ وهل نكتفى بالمرور من أزمة؟ أم نتجه لبناء اقتصاد قوى لديه قدرة أفضل على تحمل الصدمات.
عند مواجهة المشكلات أميل إلى البحث عن حلول جذرية. وعندما أعجز عن ذلك ألجأ للبحث عن حلول مؤقتة حتى تتغير الأحوال ويصبح بالإمكان تنفيذ حلول جذرية تمنع حدوث مشاكل مماثلة. وأحيانا يكون الأفضل هو العمل على المستويين معا، فالأمور تحل أفضل وأسرع هكذا. وبينما نتناول أمر الأزمة الحالية وكيفية المرور منها يتوجب علينا أيضا أن ننظر للحالة العامة للاقتصاد وننظر كيف نحسن من أدائنا مما سيعجل بخروجنا من الأزمة ويضعنا على أرضية أكثر صلابة فى مواجهة المستقبل. والحل دائما وأبدا سيكون بتحسين مناخ العمل للمستثمر المحلى على جميع الأصعدة.