الأغيار
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الخميس 1 أغسطس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
خدعوك فقالوا إن الشعب المصرى متدين بطبعه.. فى الحقيقة، وفى الواقع إن كانت هناك صفة يمكن أن تكون معجونة بالجينات المصرية فإن تلك الصفة مش هتكون التدين وإنما هى العاطفية.. فالشعب المصرى شعب عاطفى بطبعه.. والكل بيحاول يستفيد من النقطة دى.. الجمعيات الخيرية اللى طول النهار والليل تمطره بإعلانات أبطالها أطفال فقرا أو مرضى أو يتامى الدموع فى عيونهم.. فى ابتزاز واضح لمشاعره وأمواله.. مع إن فيه مليون طريقة يشجعونه على الانخراط فى العمل الخيرى بدون طريقة (تخريط البصل على قلبه) الشهيرة.. يستغلها صناع الدراما لما يحبوا يعلو نسبة المشاهدة.. فيدغدغون مشاعره بالشفقة على البنت الجميلة المظلومة أو الولد الوسيم أبو حظ قليل اللى الدنيا معانداه.. وهو استغلال زى الفل لا هو عيب ولا حرام.. لكن الميدان اللى بيعتمد بشكل أساسى مؤخرا على استغلال حنية الشعب المصرى واللى اللعبة فيه أخطر من أى ميدان تانى.. هو ميدان السياسة.. خلال الـ٣ سنين اللى فاتوا.. مشاعر الشعب المصرى فيما يخص السياسة وأحوالها، وأهم الشخصيات على ساحتها كانت راكبة مرجيحة.. رولر كوستر زى ما بيقولوا الأجانب.
أول الثورة كانت مشاعر الكل ضد مبارك.. وبعد خطابه العاطفى بقت مع مبارك.. ويوم ١١ فبراير نفس الناس اللى تعاطفت مع مبارك نزلت تحتفل للخلاص من مبارك.. بعد مبارك تملك مشاعر الشعب المصرى المجلس العسكرى.. ثم بعد كام شهر أصبحت نسبة كبيرة منه ضد المجلس العسكرى.. أثناء الانتخابات الرئاسية كانت مع مرسى.. بعد ١٠٠ يوم أصبحت ضد مرسى.. طول فترة حكم مرسى كانت مشاعر الشعب المصرى ضد الإخوان.. ثم مؤخرا بعد الأحداث الأخيرة وجد بعض الشعب المصرى مشاعره تميل تعاطفا مع قتلى الإخوان.
فى كل الرحلة المركزة دى كان الشعب المصرى على قلب شاب مراهق واحد.. أو على قلب مريض نفسى واحد.. أو كانت بالظبط هى التطبيق العملى للأغنية الوطنية العظيمة.. «أنا مش عارفنى.. أنا تهت منى.. أنا مش أنا».. كل يوم مع حد.. وكل ساعة بحال.. والشعب المصرى هنا أعنى به الكتلة غير المسيسة.. اللى بتعتبرهم الكتل السياسية التقليدية.. حزب كنبة.. أو الأغلبية الصامتة.. أو الأغيار.. على حسب انتماء الكتلة السياسية اللى لسبب ما بينجو أعضاؤها من مرجيحة المشاعر دى وبيظلوا دايما على رأيهم.
أعضاء والمستفيدون من الحزب الوطنى الله يحرقه كمان وكمان يظلون على ولاءات ثابتة للحزب وللجيش ولرجال الأعمال وللفساد.. المؤسسة العسكرية تظل على ولائها لقوانينها وقواعدها والكود الأخلاقى بتاعها والحزم والشدة وإطاعة الأوامر لا بتتعاطف مع حد ولا مع حاجة ولا ليها فى شغل بنات ثانوى ده.. الإخوان إخوان.. هقول إيه تانى يعنى ؟!.. بيعتبروا نفسهم أصلا شعب الله المختار.. وبقية الشعب بكل طوائفه هم «الأغيار».. وتلاقى فى قواميسهم تعبيرات ثابتة للتعبير عن ده.. زى وصف غيرهم بـ«الأدنى» ونفسهم بـ «الذى هو خير».. زى جملة الكيد الشهيرة «موتوا بغيظكم».. وزى دعائهم الموحد الأخير: «ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها»، واللى رد عليها البعض باقتراحات إننا نشوفلهم تأشيرات لقطر.. ويظل الشعب المصرى (الكتلة غير المسيسة ــ حزب الكنبة ــ الناس المضحوك عليهم ــ المواطنون الشرفاء) أو أيا كانت التسمية.. دائما وأبدا.. محل سخرية وتفخيم واستهزاء ودعاء ولوم وتشجيع وتجريح واستمالة واستجداع واستنقاص واستكراد الجميع.. وتظل مشاعرهم وليمة يتقاسمها الكل وكل كتلة تاخد دورها وكل جبهة فى يوم من أيام الأسبوع.. وحتى يخرج الشعب المصرى من مرحلة مراهقته العاطفية والسياسية.. هيفضل راكب المرجيحة ويفضل شخشيخة فى أيادى الجميع.. ولغاية ما ييجى الوقت وتبدأ المؤسسات الحكومية والمدنية والأهلية تشتغل على وعى الناس وتنبههم للكتلة اللى شايلينها فوق أكتافهم بشبر ويعلموهم إنها بتشتغل ويشرحولهم بتشتغل إزاى.. هيفضل حكم المصريين ومشاركاتهم السياسية (فى انتخابات واستفتاءات ومظاهرات وإضرابات) خاضع بشكل أساسى وفى المقام الأول لعواطفهم.. وهو الشىء اللى ممكن يودى البلد دى فى داهية الله أعلم هترجع تانى منها إزاى؟