سبب انحياز الأرجنتين لإسرائيل فى حرب غزة

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الخميس 1 أغسطس 2024 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

عادة عندما تذكر الصحف ووسائل الإعلام العالمية الأرجنتين، قد يكون ذلك بسبب إنجاز رياضى متعلق بكرة القدم عامةً أو بنجمها الأول ليونيل ميسى، بصفة خاصة. وتشتهر الأرجنتين أيضا بالتانجو واللحوم والمناظر الطبيعية الرائعة. ولكن من ناحية أخرى، فإن للأرجنتين سمعة سيئة، خاصة فى السنوات الأخيرة؛ بسبب ارتفاع معدلات التضخم، التى وضعتها بالمراكز الخمسة الأولى فى التصنيف العالمى. وللأسف فإن للأرجنتين السمعة السيئة نفسها فيما يتعلق بالفساد.
فى الأشهر الماضية، الأرجنتين تُذكر كثيرا فى وسائل الإعلام الدولية، ولكن هذه المرة بسبب الظهور السياسى المُلفت للرئيس الحالى، خافيير ميلى، وخاصة موقفه الداعم بشكل كبير لإسرائيل والمناهض للجانب الفلسطينى منذ بداية الحرب على قطاع غزة، والذى كان أحدث مظاهره إعلان الرئاسة الأرجنتينية فى 12 يوليو 2024 تصنيف حركة حماس «منظمة إرهابية دولية»، وإدانتها الارتباط بين حماس وإيران؛ لتصبح بذلك الأرجنتين أول دولة فى أمريكا اللاتينية تُقدم على هذه الخطوة؛ وهو ما يتناقض مع مواقف معظم الدول فى القارة؛ إذ قطعت مثلا بوليفيا وكولومبيا علاقاتها مع إسرائيل، فيما سحبت دول لاتينية أخرى سفراءها من تل أبيب.
• • •
قبل أن يصبح رئيسا للأرجنتين، وبالرغم من كونه كاثوليكيا، كان ميلى دائما ما يُعلن أنه معجب بالشعب اليهودى وتعاليمه لدرجة أنه كان يقرأ التوراة بصورة يومية. وفى نهاية عام 2021، قال ميلى عندما كان عضوا فى البرلمان آنذاك: «أنا لست يهوديا ولكننى معجب بإسرائيل، وأكن لها احتراما عميقا. أنا كاثوليكى ولكننى أركع كل يوم أمام يهودى». فى ذلك الوقت أيضا، أعرب ميلى عن وقوفه مع الغرب وقيمه، ومع الولايات المتحدة وإسرائيل كحليفتين محتملتين له. علاوة على ذلك، وعد ميلى بنقل سفارة الأرجنتين من تل أبيب إلى القدس.
وفى ديسمبر 2023، وبعد فوزه فى انتخابات الإعادة على سيرخيو ماسا فى 19 نوفمبر الماضى، أصبح اليمينى المتطرف ميلى رئيسا للأرجنتين بكسبه أكبر عدد من أصوات الناخبين والناخبات بنسبة 56%. واستقبل ميلى، قبل بضعة أيام من توليه منصب الرئاسة، وزير الخارجية الإسرائيلى آنذاك، إيلى كوهين، ومجموعة من أقارب الرهائن الذين اختطفتهم حركة حماس، والذين وصلوا من تل أبيب للمشاركة بحفل تنصيب الرئيس الأرجنتينى. وأعلن ميلى آنذاك رسميا إدانته لهجوم حماس، وصرح بأنه سيُدرجها على قائمة المنظمات الإرهابية التى تضم حزب الله اللبنانى أيضا، والذى تُحمله الأرجنتين مسئولية الهجمات على السفارة الإسرائيلية فى بوينس آيرس ومركز «آميا» اليهودى عامى 1992 و1994 على الترتيب.
وبعد ثلاثة أسابيع من توليه منصبه؛ أى فى يناير 2024، شارك ميلى فى احتفالات اليوم العالمى لإحياء ذكرى الهولوكوست والتى أقيمت فى بوينس آيرس. وصرح الرئيس الأرجنتينى بأن بلاده «”لن تبقى صامتة فى مواجهة حركة حماس»، مطالبا بالإفراج الفورى عن جميع المدنيات والمدنيين المختطفين، والذين من بينهم 8 أرجنتينيين.
فى 7 فبراير الماضى، أصبح ميلى أول زعيم من أمريكا اللاتينية يسافر إلى إسرائيل بعد الهجمات التى وقعت فى 7 أكتوبر؛ إذ سافر إلى تل أبيب على متن رحلة تجارية، وكان فى استقباله وزير خارجية إسرائيل. وبمجرد وصوله إلى هناك، أكد ميلى التزامه «بتعزيز الصداقة والعلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل». وفى أثناء هذه الزيارة، قام ميلى بجولة فى مرافق مستوطنة «نير أوز» برفقة الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوج. وذكر أن عمليات اختطاف الرهائن التى حدثت تُعد «جريمة ضد الإنسانية ويجب إيقافها». وخلال إقامته فى إسرائيل، التقى ميلى أيضا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والذى قال إن بلاده تقدر كثيرا الدعم الأرجنتينى القوى لإسرائيل، وإنهم «سعداء جدا بقراره الخاص بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وباستعداده لنقل بعثاته الدبلوماسية والسفارة الأرجنتينية إلى هناك». وذكر ميلى أنه قد اتخذ بالفعل القرار السياسى الخاص بتصنيف حماس كمنظمة إرهابية، وأن وزيرة خارجيته، ديانا موندينو، ستمضى قُدما فى إعداد المرسوم الخاص بهذا القرار.
وكرد فورى على ذلك، أصدرت حركة حماس بيانا مستنكرةً فيه زيارة ميلى لإسرائيل، وأعربت عن أسفها لخسارة حليف مثل الأرجنتين. كما أعلنت حماس أنها «تدين بشدة» خطط الحكومة الأرجنتينية الجديدة لنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، معتبرة ذلك «انتهاكا لحقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه، وانتهاكا لأحكام القانون الدولى باعتبار القدس أرضا فلسطينية محتلة».
لاحقا فى مارس 2024، أكد ميلى، مجددا، فى خلال مقابلة له مع شبكة «سى إن إن» الإخبارية، دعمه غير المشروط لإسرائيل ولهجومها على قطاع غزة. وقال الرئيس الأرجنتينى: «إن إسرائيل تعرضت لهجوم وحشى، ومثل هذه الأحداث تتطلب ردودا مثالية. فى الواقع، كل ما تفعله إسرائيل وتقوم به يقع ضمن قواعد اللعبة. إن إسرائيل لا ترتكب أية تجاوزات على الرغم من التجاوزات التى ارتكبتها حماس.. وأحد الأشياء التى قُمت بها منذ اللحظة الأولى هى نبذ الهجوم الذى قامت به جماعة حماس وتأييد حق إسرائيل فى الدفاع المشروع عن نفسها».

وفى 10 مايو الماضى، صوتت الأرجنتين، فى خضم الصراع القائم بغزة، ضد المشروع الذى كانت تروج له الدول العربية والذى يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة ويوصى مجلس الأمن بإعادة النظر فى الطلب بشكل إيجابى. وكانت هذه هى المرة الأولى التى تصوت فيها الأرجنتين ضد الجانب الفلسطينى بالأمم المتحدة، كاسرةً بذلك التقليد الذى كانت الحكومات الأرجنتينية السابقة قد أرسته لدعم الشعب الفلسطينى فى الجلسات العامة للأمم المتحدة.
لقد صوتت الأرجنتين مع أقلية مكونة من تسع دول (الأرجنتين، وإسرائيل، والولايات المتحدة، وجمهورية التشيك، والمجر، وميكرونيزيا، وناورو، وبالاو، وبابوا غينيا الجديدة) ضد الدول التى دعمت الموقف الفلسطينى. وعلى الرغم من أن التصويت كان فى معظمه إيجابيا بالنسبة للجانب الفلسطينى؛ فإن الاقتراح لم يكن ملزما؛ لذا فإن السلطة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس، ما زالت لم تُقبل كعضو كامل فى الأمم المتحدة حتى الآن. فمن يقرر ذلك فى نهاية المطاف هو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ إذ تمنع الولايات المتحدة دمج فلسطين كدولة باستخدامها حق النقض (الفيتو)، كما حدث فى منتصف إبريل الماضى.
عقب ذلك فى 31 مايو الماضى، قامت الولايات المتحدة بتقديم خطة لوقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، تتضمن تبادل الأسرى والرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان فى غزة، وإعادة إعمار القطاع فى المستقبل. وطالبت الأرجنتين و16 دولة أخرى، حركة حماس بقبول خطة وقف إطلاق النار التى اقترحتها الولايات المتحدة. وكما ذكرنا سابقا، فإن ميلى قد أعرب مرارا وتكرارا عن حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها بعد هجوم حماس عليها فى 7 أكتوبر الماضى، ولكن كانت هذه هى المرة الأولى التى يدعو فيها إلى وقف إطلاق النار.
وواجه الرئيس الأرجنتينى موجة انتقادات عربية وإسلامية، بعد مقاطعته اجتماعا لمجلس سفراء المجموعة العربية والإسلامية فى العاصمة بوينس آيرس فى يونيو الماضى؛ بحجة وجود ممثل لدولة فلسطين، لتنوب عنه وزيرة الخارجية، موندينو، فى اللقاء. ووصفت الجامعة العربية هذه الخطوة من جانب ميلى بـ«العدائية وغير المبررة».
لاحقا فى 12 يوليو 2024، صنف ميلى حماس «منظمة إرهابية»، وأمر بتجميد أصولها المالية، قائلاً إن «لديه التزاما راسخا يقضى بتصنيف الإرهابيين على حقيقتهم». كما شبّه الرئيس الأرجنتينى، فى 17 يوليو الماضى، هجوم حماس على إسرائيل بالتفجير الذى وقع عام 1994 فى بوينس آيرس، مطالبا الحركة بإطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم.

• • •
ختاما، إن موقف حكومة ميلى إزاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى واضح للغاية منذ البداية، ومن المُرجح أن يستمر دعمها القوى لإسرائيل وإدانتها الصارمة لحماس. ولكن بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على حرب غزة، أصبح دعم الوقف الفورى لإطلاق النار مدرجا أيضا فى جدول أعمال الحكومة الأرجنتينية، وهو وإن لم يكن تغييرا فى موقفها، إلا أنه رسالة قوية للقادة الإسرائيليين. وهكذا فما يثير الاهتمام فى هذا الصدد هو كيف سيتم تعزيز العلاقات أو الحفاظ عليها بين الجانبين الإسرائيلى والأرجنتينى إذا لم ينته الصراع فى غزة وإذا استمرت الضغوط الدولية من أجل وقف إطلاق النار هناك.

سانتياجو فيار
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
النص الأصلى:
https://bit.ly/3ykbOaB

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved