لا تتركينى وحدى


رضوى أسامة

آخر تحديث: الخميس 1 سبتمبر 2011 - 8:44 ص بتوقيت القاهرة

 عندما أنجبت صديقتى طفلها الأول عادت إلى العمل بعد مرور ثلاثة أشهر وتركت الطفل فى رعاية والدتها المسنة، كنت أعرف تلك الحقيقة العلمية التى تفضل المكوث مع الطفل حتى إتمام عامه الثانى. لكنى كنت أدرك فى الوقت نفسه المفارقة بين العلم والواقع، وأفضل الخيارات العملية فى ظل أزمات مجتمعاتنا. أعرف جيدا حجم الخسارة التى يمكن أن تقع على بيت جراء ترك أحد الأفراد وظيفته لعامين كاملين.

وفى ذات التوقيت تقريبا أنجبت صديقتى الأخرى طفلها الأول لكنها فضلت المكوث فى المنزل لسنتين لرعاية الطفل.

عندما رأيت الطفلين بعد فترة من الوقت شعرت بأن لدى ما يمكننى أن أشاركه معكم، وشعرت بالفارق بين الطفلين، فطفل الأسرة الأولى لا يرى أمه إلا فى المساء بعد أن يكون قد نام، فالأم تعمل فى شركة خاصة ومواعيد عملها متأخرة للغاية، والجدة عجوز ولا تستطيع الحكى مع الطفل وملاحقة حركته الكثيرة، مما أثر على الحصيلة اللغوية للطفل، كما أننى أستطيع أن أجزم بأن الطفل لا يشعر بالأمان الكامل والثقة التامة، فهو غير قادر على منحك حضنا دافئا أو المبادرة بإرسال قبلة، هو لا يفعل هذه الأشياء لأنه لم يختبرها، فأمه تأتى متأخرة من عملها و تلبى بالكاد احتياجات المنزل الناقصة وتداعبه قبل النوم قليلا.

أما الطفل الثانى فعندما رأيته شعرت بالانبهار رغم أن الطقل الأول يفوق الثانى جمالا بمراحل، إلا أن طفل صديقتى التى كرست بعض الوقت يمنحك حضنا جميلا ولديه حصيلة لغوية تفوق الآخر بمراحل.

أعرف جيدا صعوبة ظروف المعيشة، وعلى الرغم من ذلك أرى أن هناك الكثيرات ممن يعشن فى مستوى متوسط أو أقل يبتكرن أساليب كثيرة لبلوغ التوازن المبتغى، فأعرف صديقة عملت بالترجمة من المنزل، وأخرى استطاعت أن تقنع مديرها أن تشتغل نصف الوقت وتأخذ المتبقى من العمل للمنزل، وأخرى غيرت مجال عملها واستفادت من الأعمال الموجودة على الإنترنت والتى تدر مزيدا من النقود، وأخرى استغلت هذه الفترة للدراسة من المنزل وتطوير مهاراتها .

كنت أقرأ فى فصل مترجم من كتاب «السعادة الحقيقية» لمارتن سليجمان والذى كان يتحدث فيه عن تنشئة الأطفال وكيف يمكنك أن تربى طفلا سعيدا وهو الأمر الذى يبدأ من لحظة الميلاد، فمثلا من الأفكار التى طرحها الكتاب النوم مع الطفل فى سرير واحد حتى نهاية السنة الأولى ويقول فى ذلك «نستطيع أن ننشئ رابطة قوية بيننا وبين طفلتنا الجديدة، فحينما تستيقظ وتجد والديها بجوارها فإن ذلك من شأنه أن يبدد تماما أى مشاعر من الخوف لديها بل إنه يدعم مزيدا من مشاعر الأمان والطمأنينة، وبالنسبة للآباء والأمهات الذين يعملون فإن نوم طفلهم إلى جوارهم من شئنه أن يزيد من عدد الساعات التى يقضيانها معه».

وعلى الرغم من حديث العديد من الدراسات عن أهمية قضاء وقت طويل مع الطفل الرضيع، إلا أن هناك من تحدث عن نوعية ذلك الوقت. الحديث مع الطفل وملاغاته واحتضانه فى عامه الأول من الأنشطة المفيدة لسلامة نموه النفسى، أن تقبل طفلك كثيرا وتحتضنه كثيرا جدا، وتقلد ما يفعله وترعاه باهتمام، ففى الكتاب السابق ذكره يتحدث مارتن سليجمان عن نماذج للألعاب الثنائية للطفل فى عامه الأول ويروى تجربته مع ابنته الصغرى: «بعد أن انتهت صغيرتنا من تناول طعامها كنا فى انتظار أن تربت بيدها على المائدة، حينما فعلت ذلك كلنا ربتنا مثلها على المائدة، انتبهت لنا كارلى ثم قامت بالتربت على المائدة ثلاث مرات، قمنا بتقليدها وربتنا ثلاث مرات متتالية، ابتسمت، ووجدنا أنفسنا ننغمس فى الضحك معها، تعلمت كارلى فى هذا الموقف وادركت أن أفعالها تؤثر مباشرة فى أفعال الآخرين الذين يحبونها».

قضاء وقت مميز مع الطفل منذ الميلاد أمر مهم جدا لسلامة الطفل ونموه النفسى، والانشغال بالطموحات الذاتية والجرى وراء الكسب مهم أيضا، لكننا نحتاج إلى وقفة حقيقية وتقديم تنازلات ونحتاج لتنمية قدراتنا للحصول على فرص إبداعية تمكننا من قضاء وقت مميز مع الطفل وعدم خسارة أنفسنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved