التجربة التشيكية
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الخميس 1 سبتمبر 2011 - 8:40 ص
بتوقيت القاهرة
أتيح لى خلال اليومين الماضيين، وعلى هامش مشاركتى فى المؤتمر السنوى لوزارة الخارجية التشيكية بمحاضرة حول ثورات المواطنين فى العالم العربى، الحوار مع بعض خبراء التحول الديمقراطى التشيك والذين ساهموا فى نجاح بلدهم فى الانتقال من ديكتاتورية الحزب الشيوعى والأجهزة الأمنية القمعية إلى حكم القانون وتداول السلطة والرقابة المدنية على المكون الأمنى والعسكرى.
والحقيقة أن التجربة التشيكية، وهى يشار إليها فى أوروبا الوسطى والشرقية باعتبارها التجربة الأكثر نجاحا واستقرارا فى بناء الديمقراطية واقتصاد السوق المتوازن، بها الكثير مما يمكن أن نستفيد منه فى مصر ونحن نبحث عن الإدارة الأفضل للمرحلة الانتقالية الراهنة وتحدياتها المختلفة.
فعلى سبيل المثال، تم إصلاح الجهاز الأمنى فى جمهورية التشيك عبر عملية تدرجية لم تسفر لا عن انهيار الجهاز ولا عن تراجع قدراته. فقد عهد لمدنى بالإدارة السياسية للجهاز وتم إخضاعه لرقابة برلمانية وقضائية مشددة واستبعدت، وبعد تحقيقات قانونية، العناصر التى ثبت عليها التورط فى انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد. وفى ذات الوقت، تم إعداد برامج لتأهيل العاملين فى الأجهزة الأمنية لاحترام مقتضيات الديمقراطية ودولة القانون وضمانات حقوق المواطنين. كما تعاملت السلطات التشيكية بحرية مبهرة مع ماضى الانتهاكات، فنشرت محاضر للتنصت على المواطنين ولأعمال الجاسوسية الداخلية ضد المعارضين للحزب الشيوعى وغيرها.
نستطيع أيضا الإفادة من التجربة التشيكية فى تطهير مؤسسات الدولة على المستويين الوطنى والمحلى للتجاوب مع متطلبات المرحلة الانتقالية وبناء الديمقراطية. استبعدت وفقا لقانون «الكشف عن الماضى» العناصر الفاسدة والمتورطة فى انتهاكات حقوق الإنسان من المناصب العامة على المستويين الوطنى والمحلى ومنعت من تولى المناصب هذه مستقبلا. واستمر العمل فعليا بهذا القانون لمدة 10 أعوام، ثم تراجعت أهميته بعد تطهير مؤسسات الدولة والإدارة العامة.
المهم هنا أيضا هو أن من تحدثت معهم حول التطهير من الخبراء التشيك تعاملوا بصورة نقدية مع الأمر وأشاروا إلى العديد من التجاوزات التى حدثت فى الممارسة وكانوا يتمنون تجنبها. قراءة نقدية لخبرة تطهير مؤسسات الدولة فى جمهورية التشيك ستساعدنا فى مصر على التعامل بعقلانية واحترام لسيادة القانون مع ملفات الغدر وأعضاء الحزب الوطنى المنحل وأعضاء البرلمان والمجالس المحلية السابقين.
يبدو لى كذلك أن تجربة التشيك فى إدارة انتقال ديمقراطى مع تطوير لاقتصاد سوق ناجح جاذب للاستثمارات الخارجية وفى ظل بيئة اقتصادية ومالية مطمئنة لرأس المال فى الداخل والخارج ومع شبكات فعالة للضمان الاجتماعى شديدة الأهمية لنا فى مصر.
على كل هذه المستويات، يمكن للحكومة المصرية أن تنفتح على الخبرة التشيكية وتطلب من الحكومة التشيكية تقديم العون المنهجى والفنى أو على الأقل عرض خبرتهم على مسئولينا لتقرير إمكانات وسبل الإفادة. تنتظر وزارة الخارجية التشيكية زيارة وزير الخارجية المصرى خلال أيام، وربما كانت هذه الزيارة فرصة جيدة للشروع فى حوار التعاون بين البلدين فى ما خص قضايا التحول الديمقراطى.