رغيف الذرة يا وزير الزراعة
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 سبتمبر 2015 - 6:45 ص
بتوقيت القاهرة
بفرمان حكومى لا أحد يعرف أسبابه ولا دوافعه الحقيقية، توقفت أجهزة الدولة عن استلام محصول الذرة من المزارعين، فى نفس الوقت الذى فتحت فيه أبواب الاستيراد على مصراعيها لاستيراد الذرة «منزوعة الجنين» بالعملة الصعبة من الخارج رغم قيمتها الغذائية المتدنية، لتضاعف الحكومة من خسائر مزارعينا، بعد أن زاد العرض على الطلب، ولتزيد من نزيف العملة الصعبة التى ترتفع أسعار صرفها بشكل جنونى منذ عدة أشهر !
حرب الحكومة على مزارعى الذرة، تعتبر لغزا بكل المقاييس، لا أحد يعرف لها سرا ولا منطقا، خاصة أن هذه المعركة الظالمة كبدت المزارعين خسائر بملايين الجنيهات، وهددت بخراب بيوت أصحاب الملكيات الزراعية الصغيرة الذين ساقهم حظهم العثر لزراعة هذا المحصول الاستراتيجى، بعد أن تكدست محاصيلهم فى الثلاجات، وأحيانا فى العراء لتتعرض للتلف، أو لتصبح طعاما للديدان فى أحسن الأحوال!
طبقا لما يقوله مزارعو الذرة، كانت الحكومة قبل عام 2013 تشترى المحصول بسعر مجز، وكانت تصرف لهم 6 أجولة سماد «نترات نشادر» بسعر 70 جنيها للجوال، إلى أن قررت الحكومة فجأة وبدون سابق إنذار الاكتفاء بصرف جوالين فقط، وتركت المزارعين تحت رحمة وجبروت السوق السوداء، ليشتروا من مافيا السماد الأربعة أجولة الباقية بسعر 160 جنيها للجوال الواحد، ثم جاء مركز البحوث الزراعية ليزيد الطين بلة، برفعه سعر تقاوى الأساس 125%، ليبلغ ثمن الكيلو الواحد منه 180 جنيها، فى نفس الوقت الذى أسقطت فيه وزارة الزراعة مخالفات مزارعى الأرز، لتتضاعف أرباحهم رغم استهلاك هذا المحصول لكميات كبيرة من المياه، ولتشجع الوزارة بقية المزارعين على الهروب من زراعة الذرة، التى أصبحت تقاويها، التى تقدر بملايين الجنيهات، معرضة للتلف لارتفاع درجة الحرارة، وعدم وجود ثلاجات كافية لحفظها.
ومع ذلك، الفرصة لاتزال متاحة أمام وزير الزراعة د. صلاح هلال، ليس فقط لإنقاذ ما يمكن انقاذه من هذه الملايين من الجنيهات المهدرة فى محصول الذرة، ولكن لتقديم حلول غير تقليدية لهذه الأزمة، قد يكون على رأسها الضغط على الحكومة لإعادة انتاج رغيف الخبز بخلط القمح بالذرة كما كان معمولا به قبل عام 2013 وتم ايقافه لأسباب لا يعلمها إلا الله، كما يمكنه تكليف مراكز البحوث بوزارته بعلمائها وباحثيها المتميزين على مستوى العالم كله، لإنتاج رغيف خبز من الذرة فقط، ووقف استيرادها من الخارج، وتشجيع مزارعى الذرة على تصريف إنتاجهم بما يخدم الاقتصاد الوطنى .
خطة الحكومة لاستصلاح 4 ملايين فدان هى بالفعل بداية ثورة للقضاء على الفجوة الغذائية فى مصر، لكنها بدون اتباع سياسة محصولية رشيدة فى الأراضى القديمة، لن تحقق هذه الخطة الأهداف المنوطة بها، وستلتهم الزيادة السكانية مليارات الجنيهات التى يتم استثمارها فى زراعة الصحراء بدون ان تنعكس ايجابيا على خفض الأسعار، وليظل المجال مفتوحا أمام مافيا الاستيراد من الخارج، ليراكموا المزيد من الأرباح على حساب الامن الزراعى المصرى!
أزمة الذرة تقدم اختبارا حقيقيا للحكومة ووزارة الزراعة، لتطوير التركيب المحصولى فى مصر، بما يحقق الاكتفاء الذاتى من السلع الغذائية الاستراتيجة وعلى رأسها القمح، وأتصور أن الحكومة التى نجحت فى تطوير منظومة الخبز وتوزيعه بأسعار مدعمة تكفى احتياجات المستهلكين، تستطيع أن تنجح أيضا فى إنتاج رغيف بأسعار أقل، يوقف اهدار العملة الصعبة الموجهة لاستيراد القمح، ويخفف من امكانيات أى قوى خارجية لاستخدامه كورقة اقتصادية للتأثير على قراراتنا السياسية فى هذه الظروف الصعبة التى تمر بها مصر والمنطقة العربية كلها.