إسرائيل.. حيثيات رفض مهاجمة إيران
العالم يفكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 سبتمبر 2015 - 6:25 ص
بتوقيت القاهرة
كتب المحلل السياسى جورج فريدمان مقالا نشر بمركز ستراتفور الأمريكى، المعنى بالشئون الجيواستراتيجية والاستخباراتية الدولية والأمن العالمى، تناول فيه تحليلاته للسؤال المطروح على الساحة والخاص بعدم اتخاذ إسرائيل خطوات فعلية وحقيقية تجاه إيران حتى الآن. ويأخذها من منظور تحليلى لمقابلة كانت قد أذيعت فى القناة الثانية الإسرائيلية فى 21 أغسطس لايهود باراك ــ وزير الدفاع السابق ورئيس الوزراء الإسرائيلى السابق أيضاــ والذى قال فيها إن إسرائيل كانت قد قررت الهجوم على المنشآت النووية الايرانية ثلاث مرات من قبل ولكن فى كل مرة كان يتم إلغاؤها. ففى عام 2010 رفض غابى أشكنازى ــ وهو رئيس الأركان الإسرائيلى فى ذلك الوقت ــ خطة الهجوم. فقام موشيه يعلون ويوفال ستينيتز بتحضير خطة أخرى وألغيت أيضا، كما ألغيت فى عام 2012 خطة ثالثة لأنها تصادفت مع المناورات العسكرية الإسرائيلية الامريكية المقررة بالإضافة لزيارة وزير الدفاع الامريكى ليون بانيتا.
وقد ادعى باراك بأن الشريط لم يكن ليتم إذاعته وأنه حاول وقف البث ولكن دون جدوى. وهنا أشار فريدمان لعدد من النقاط التى يجب أخذها فى الاعتبار: أولها أن باراك لن يتحدث عن مثل تلك المسائل السرية بتلك البساطة، خاصة أنه يتم تسجيلها. والأكثر من ذلك أن فكرة عدم تمكنه من إقناع الرقابة العسكرية لمنع مثل ذلك التسجيل بعيدة الاحتمال. فباراك أراد أن يقول ذلك وأراد أن يتم بثها لسبب ما. وجزء من هذا السبب هو توضيح سبب عدم اتخاذ إسرائيل لخطوات فعلية بشأن المنشآت العسكرية الايرانية رغم اهتمامها بإيران. خاصة أن هذا التساؤل كثيرا ما يطرح فى مناقشات الكونجرس الحالية. فالتفسير الذى يقدمه باراك هو أن العسكريين السابقين ومسئولى الدفاع والإسرائيليين قد ألغوا الهجوم على ايران حتى لا يغضبوا الأمريكيين بهجومهم اثناء المناورة العسكرية المشتركة. فالمشكلة فى هذا التحليل بالنسبة لفريدمان هو أن الجيش الإسرائيلى ومسئولى المخابرات تناقشوا وعارضوا الضربة العسكرية وهم يعرفون أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت لتغضب سواء كانت المناورات العسكرية جارية أم لا. وبذلك فإن باراك ــ عن قصد أو دون قصدــ يلفت انتباه إسرائيل لحقيقتين، الأولى هى أنه يصعب التخلص من المنشآت النووية الايرانية عسكريا، والثانية هو أن محاولة القيام بذلك ستؤثر على العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية ــ حليف إسرائيل الذى لا غنى عنه. مما يؤكد أن تلك المعارضات ضد الهجمة كانت لعدم تأكدهم من مدى نجاح تلك الهجمة.
***
انتقل فريدمان بعد ذلك ليؤكد أن العمليات العسكرية كأى شىء فى الحياة يجب أن يتم الحكم عليها بطريقتين، الأولى: معرفة النتائج المترتبة على الفشل، والثانية معرفة أى حد يمكن أن تفشل العملية. ففشل عملية الولايات المتحدة لإنقاذ الرهائن فى عام 1980 مثلا، أعطى فرصة للحكومة الايرانية لتستهين بقوة الولايات المتحدة ودفعها وشجعها على خوض مزيد من المخاطر، كما عزز من شكل وسمعة الحكومة الايرانية أمام شعبها، بل وأعطى النظام الايرانى فرصة أكبر للمناورة. وأدى ذلك لتآكل وتضاؤل الثقة فى القادة السياسيين والعسكريين الأمريكيين أمام الشعب الأمريكى.
أما بالنسبة الإسرائيليين، فسيكون ثمن فشل الهجوم على المواقع النووية الايرانية كبيرا. فإحدى أهم الركائز السياسية الاستراتيجية لها هى قدرتها العسكرية، وأى فشل فى ايران سيدمر تلك الصورة حتى وإن ظلت قوة الجيش الحقيقية سليمة. بل وأنها ستدعم القوة الايرانية كما حدث بفشل العملية الامريكية فى 1980.
وهنا أشار فريدمان لضرورة المقارنة بين نسبة الفشل واحتمالية النجاح. ففى الحرب يمكن أن تنقلب النجاحات لحالات فشل. وقد كان هناك عدد من الاحتمالات الممكنة لحدوث الفشل فى الهجوم على ايران. فتساءل إلى أى درجة يثق الإسرائيليون فى صحة ودقة استخباراتهم فيما يخص المواقع والتحصينات والدفاعات؟ وإلى أى مدى يثقون فى أنهم سيدمرون الأهداف الحقيقية؟ والأهم كيف سيتأكدون من أن الهجمات قد دمرت الأهداف؟ وأخيرا والأهم، هل يعرفون ما مدى قدرة ايران على التعافى؟ وإلى أى حد من السرعة يمكنها استعادة برنامجها؟ فعادة لا يكون الهجوم العملياتى الناجح وسيلة للتعامل مع المشكلات الاستراتيجية. فالهدف من الهجوم هو جعل ايران غير قادرة على بناء سلاح نووى، فهل تدمير كل الاهداف المعروفة سيحقق هذا الهدف الاستراتيجى؟
فأحد الاشياء التى يجب اخذها فى الاعتبار هى أن الإيرانيين كانوا يهتمون بالجهود الاستخباراتية الامريكية والإسرائيلية كما كانوا هم يهتمون ببرنامجها النووى ويقلقون منه. فالمنشآت الإيرانية أنشأت محمية من الهجمات. فالإيرانيون يعلمون أنهم مراقبون وبالتالى بذلوا الجهود اللازمة لتضليل وتشويش مراقبيهم. وبالتالى فلن يتأكد الإسرائيليون أبدأ من كونهم غير مضللين بكل مصدر يعتمدون عليه وكل صورة من الاقمار الصناعية وكل مكالمة هاتفية تتبعوها. حتى ولو ان هناك مصدرا أو مصدرين فقط هم المضللون، فأى تلك المصادر يكونان؟
وبالتالى يرى فريدمان ان فشل الهجمة الإسرائيلية على ايران قد يؤدى لتغيير وتعديل فى نظرة اللاعبين الاقليميين الاخريين تجاه إسرائيل وايران، وسيدمر قوتها العسكرية التى تعد ركيزتها الاساسية، بل وستمنح قوة أكثر لإيران فى المنطقة عن غير قصد. فالفشل بالنسبة له وارد ولكن الأهم لأى درجة سيكون، فليس هناك سبيل لمعرفة ذلك إلا عقب الضربة. كما أن النجاح العملياتى قد لا يضمن تحقيق نجاح استراتيجى. وبالتالى فنسبة المخاطر مقابل نسبة النجاح إنما ترجح عدم الهجوم.
***
كما أشار فريدمان لوجود وجه آخر للسؤال يتمثل فى: ما هى قدرات إيران؟ فتخصيب اليورانيوم مهم جدا لكنه غير كاف لصنع سلاح نووى؛ فهو يكفى لصنع جهاز يمكن أن ينفجر تحت الارض فى ظروف خاضعة للتحكم، ولكن تطوير سلاح نووى يتطلب تقنيات مكثفة يتجاهلها هؤلاء الذين يركزون على تخصيب اليورانيوم. وهنا يفصح فريدمان على أنه ـ والبعض الاخرين ــ يرى أن التأجيل فى صنع السلاح النووى فى ايران يرجع لضعف التقنيات المذكورة إضافة لخوفها من نتائج الفشل.
وبالنسبة للتوقيت؛ فالسلاح النووى يكون أكثر عرضة للكشف وللهجوم عندما يتم اكتماله ويكون على وشك ان يتم إدخاله بنظام التسليم. ففى تلك الحالة لن يظل تحت الارض بل سيتم إخراجه وسيكون عرضة للهجوم الإسرائيلى والامريكى أثناء تلك المرحلة، حيث لديهم قدرة على الاستطلاع. فالإيرانيون يعلمون أنها أخطر مرحلة. كما تعلم إسرائيل أن الخطورة فى العملية المستقبلية أقل من خطورة الفشل فى هجوم مبكر لأوانه.
***
ويظن فريدمان أن باراك كان يريد أن يلفت الانتباه ــ عن قصدــ ليس لخطط مسبقة للهجوم على ايران ولكن لقرار التخلى عن تلك الخطط. فقد اشار إلى أن رؤساء الأركان قد ألغوا الخطط مرتين، كما ألغيت فى المرة الثالثة لعدم إغضاب أمريكا. بعبارة اخرى فإن الإسرائيليين أعادوا النظر فى خطط الهجوم عندما رفض بعض القادة الكبار وأعضاء مجلس الوزراء ذوى الخبرات العسكرية الخطط. فكانوا يرون أن الهجوم لا يجب أن ينفذ على الاقل فى الوقت الحالى.
فكلمات باراك قد تُفهم على أنها حجة لفرض عقوبات. فطالما رفض الهجوم فالحل الوحيد هو زيادة العقوبات. ولكنه يعلم أن هذا الضغط لن يجلب الاستسلام، وأن العقوبات هى وسيلة الدول التى ليس لديها قدرة على تحقيق اهدافها عسكريا أو بالوسائل السرية. فباراك يعلم أن العقوبات التى يمكن أن تحقق نفع قد طبقت ولكنها قد لا تجلب نتائج جيدة.
وبالتالى لا يعتقد فريدمان أن باراك كان يقول ذلك لأجل العقوبات. ما كان يقوله هو ان فى كل مرة يقررون الهجوم كانوا يتراجعون عن القرار. وكان يقصد أن بنيامين نتنياهو تحديدا هو من منعها ــ ولا يقصد بذلك مهاجمته ــ فنتنياهو كان بإمكانه التصميم على الهجوم إذا أراد، ولكن الحقيقة أن إسرائيل لم يكن لديها خيار عسكرى. فباراك لا يثق فى أن العقوبات أو حتى الاتفاقية الحالية ستجبران إيران على التخلى عن برنامجها النووى. فالإيرانيون إما ليس لديهم نية لعمل قنبلة نووية أو أنه سيحين الوقت الذى لا تستطيع أن تخفى فيه برنامجها أكثر من ذلك وستكون تلك هى لحظة الهجوم الحاسمة. ففى اللحظة التى تسلح فيها إيران نظام الإطلاق أو التسليم ستطلق الغواصات الإسرائيلية أو الأمريكية صاروخا ينهى القضية.
***
واختتم فريدمان المقال قائلا إنه إذا لم يرد باراك ونتنياهو الهجوم على ايران، وإذا كان باراك لا يثق فى الاتفاقية أو فى العقوبات فبالتأكيد لديه ما يفكر به بشأن التعامل مع السلاح النووى الايرانى عندما يظهر. فباراك جندى قديم يعلم كيف لا يهاجم إلا عندما يكون متأكدا من النجاح حتى وإن كان هذا التأجيل يؤرق الجميع. فهو لا يؤمن بالحل الدبلوماسى أو الايماءات والتهديدات بالعقوبات، أو العمليات المقدر لها الفشل. وفى كل الاحوال فقد كشف ان إسرائيل ليس لديها خيار عسكرى فعال لتعطيل البرنامج النووى الايرانى. وبالتالى سينتظر حتى تضطر ايران لتسليح نظام التسليم، وستكون حينها عرضة للهجوم وهى أهم فرص الهجوم الناجحة.