هل تصمد الكويت.. كيف ولماذا؟
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 - 10:12 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة القدس العربى اللندنية مقالا للكاتب شفيق ناظم الغبرا، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة الكويت... جاء فيه ما يلى.
منذ الاتفاق الإماراتى الإسرائيلى يطرح سؤال جوهرى: هل تصمد الكويت أمام الإعصار الجديد المرتبط بالضغط الأمريكى لفرض التطبيع والتحالف مع إسرائيل؟ وهل تستطيع الكويت التمسك بثوابتها بينما دول أخرى تضرب ذلك عرض الحائط؟ وقد تضخم هذا السـؤال فى الأيام الأخيرة منذ تعليق كوشنر صهر الرئيس الأمريكى على موقف الكويت النقدى تجاه الاتفاق. لقد تحدث صهر الرئيس كوشنر أكثر من مرة عن الكويت وذلك فى محاولة لإحراجها بسبب التزامها بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطينى.
إن جوهر موقف الكويت هو استمرارها على مبادئ العدالة والشرعية الدولية وما أجمع عليه العرب فى المبادرة العربية عام 2002. إن موقف الكويت ينطلق أيضا من كونها لا تملك حدودا مع إسرائيل، وهى ليست دولة مواجهة ولهذا هى غير مضطرة للتطبيع والتحالف مع الحركة الصهيونية. وفعلا ما حاجة الكويت لأجهزة التجسس الإسرائيلية، وما حاجتها لاستفزاز إيران فى قلب الخليج، ثم لاستفزاز المجتمع الكويتى فى الداخل والمجتمعات العربية من المحيط للخليج، وما حاجتها للاستثمار فى إسرائيل أو لجلب استثمارات إسرائيلية إليها. فمن بين كل التجارة فى العالم وكل الاستثمارات المتبادلة بالعالم ما الاضطرار للاستثمار مع الأبارتهايد الإسرائيلى؟
بنفس الوقت ينطلق الموقف الكويتى من أنه لم يقع تطور فى المشهد العربى الإسرائيلى يتطلب تطبيعا، فلا إسرائيل انسحبت من الأراضى المحتلة ولا هى رفعت الحصار عن غزة ولا هى بنفس الوقت أوقفت الاستيطان والحفريات والتهويد فى القدس ولا نسفت الجدار العنصرى الفاصل الذى أقيم على أراض فلسطينية محتلة، كما أن إسرائيل لم تطلق سراح السجناء، ولم تفتح صفحة جديدة مع الشعب الذى تحتل أراضيه ومع شعوب المنطقة. كل الذى تفعله إسرائيل أنها تتمادى فى عدوانها، وتتمادى فى احتلالها.
ما لا يلاحظه أحيانا من هم خارج الكويت أنه فى الكويت حياة سياسية، وأن هذه الحياة السياسية تسمح بدرجات من التعبير بين تيارات سياسية وبين قوى مدنية وجمعيات نفع عام. ورغم أن الكويت مرت بأزمات سياسية وأن درجة الحريات اليوم ليست كما كانت قبل عشر سنوات، إلا أن الكويت لم تتنازل عن وجود انتخابات دورية وبرلمان يحمل درجة من التمثيل النسبى للمجتمع، وحريات تسمح للمواطنين الكويتيين بالتعبير عن آرائهم فى الشأنين المحلى والإقليمى.
هذا البعد الشعبى الكويتى مرتبط بدستور الكويت، ومرتبط بطبيعة شعبها المتمسك بحرياته، ومرتبط أيضا بتاريخ للعمل السياسى الكويتى بين قادتها وأمرائها من جهة وبين مجتمعها وجمعياتها المدنية وتياراتها السياسية من جهة أخرى. هذا لم يعن عدم وجود أزمات وأحكام قضائية ومطالبات شعبية بمزيد من الحريات، لكن الكويت استمرت بنفس الوقت بالتفاعل مع التيارات الشعبية والحقوقية. فبين التيار القومى الكويتى والتيار الإسلامى بشقيه السنى والشيعى وبين التيار الحقوقى السياسى وبين مواقف الأفراد يوجد فى الكويت تجربة تستحق المتابعة والبناء عليها. التجربة السياسية الكويتية جعلت من سياسة الكويت تجاه العالم الخارجى وتجاه قضية فلسطين متوازنة وقادرة على مقاومة الضغوط الخارجية.
إن نظرة الكويت تجاه السياسة الإقليمية والخارجية تستند لثوابت تاريخية. فالكويت لم تحد عن استقلاليتها فى التعامل مع إيران، ولم تقل يوما بأنها تريد عسكرة العلاقة معها، بل فى كل مرة سعت لإبقاء الخليج منطقة خالية من النزاعات. الاستقلالية الكويتية عبرت عن نفسنا فى أزمة الدول الأربع وقطر، كما وفى مؤتمر البحرين الخاص بصفقة القرن المنعقد عام 2019. لم تقبل الكويت أن تكون شاهد زور فى اتفاق يحاول تصفية الحقوق التاريخية العربية فى فلسطين. وبحكم تجربة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد تبلور فى سياسة الكويت الخارجية إلمام واضح بالتاريخ والتواءاته.
لهذا ليس غريبا أن تقاوم الكويت التطبيع، فهى تعلم خير المعرفة ماذا حصل مع الدول والأطراف العربية التى اضطرت للتطبيع. والكويت تعلم الكويت بحكم التجربة بأن هذا الاتفاق مقدمة لمشكلات أخرى وأنه سيفيد إسرائيل وتمددها وعنصريتها. بنفس الوقت لن تتورط الكويت باتفاق لا يحظى بإجماع عربى شعبى. إن الموقف الكويتى بحد ذاته أصبح أحد أهم رموز رفض الإقليم العربى للخضوع للصهيونية.
إن العلاقة الأمريكية الكويتية لم تعن فى يوم من الأيام التبعية للبيت الأبيض أو للسياسة الأمريكية. بعد تحرير الكويت عام 1991 رفضت الكويت التطبيع. كما أنها صوتت مع كوبا ضد الولايات المتحدة فى أمور اعتبرتها مبدئية تجاه كوبا، كما أن الكويت قادت موقفا فى الجمعية العامة فى ديسمبر 2018 منع تمرير قرار فى الأمم المتحدة يعتبر حركة حماس منظمة إرهابية وذلك بسبب ردها الصاروخى على القصف والهجمات الإسرائيلية على غزة.
وبنفس الوقت وقفت الكويت مع السلطة الفلسطينية ولم توقف دعمها عن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، كما أنها لم توقف دعمها للبنان. فى هذا نموذج لحكمة الكويت ولارتباطها بعمقها العربى وقدرتها على رفض الإملاءات المنحازة وغير العادلة التى سعت إدارة ترامب لفرضها.
إن الموقف الكويتى الرسمى والشعبى، قد لا يغير من موازين القوى المباشرة فى فلسطين، لكن هذا التوجه يعطى نسمات أساسية من التفاؤل، كما أنه يترك أثره بين الكثير من الفلسطينيين والعرب المؤمنين بالنضال من أجل العدالة وتحرير الأرض من الأبارتهايد والاحتلال الاستيطانى.