إسرائيل والسُنة.. القوة الصاعدة فى الشرق الأوسط
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
كارولين غليك
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو سجّل خلال اجتماعاته فى القدس خطابا قصيرا لمؤتمر الحزب الجمهورى، عدّد فيه إنجازات الإدارة فى ساحات متعددة فى العالم. بُثّ الخطاب يوم 25 أغسطس ليلا، بعد وصول بومبيو إلى الخرطوم ــ المحطة الثانية فى جولة الحوارات التى يجريها من أجل توسيع دائرة التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة.
يجب التشديد على الأمور التى ختم بومبيو كلامه بها، عندما ذكر القس الأمريكى أندرو برونسون الذى احتُجز كرهينة فى تركيا بين سنتى 2016ــ2018. برونسون اعتُقل ظلما بعد الانقلاب الفاشل ضد حكم أردوغان فى صيف 2016. فى سنة 2017 عرض أردوغان على ترامب صفقة: فى مقابل إطلاق سراح القس، تتسلم تركيا الزعيم الدينى التركى المنفى فتح الله غولان الذى يعيش منذ سنوات عديدة فى بنسلفانيا. أردوغان يتهم غولان ومؤيديه بالمسئولية عن الانقلاب الفاشل فى يوليو 2016.
الأمريكيون لم يتجاوبوا، وبدلا من تسليم غولان إلى تركيا، فرض ترامب رسوما جمركية عالية على التصدير التركى إلى الولايات المتحدة. بعد عدة أشهر من تطبيق السياسة الجمركية الجديدة، أطلق أردوغان برونسون من دون مقابل، باستثناء إلغاء الرسوم.
***
حقيقة أن بومبيو اختار التذكير بمعاناة برونسون فى تركيا، بدلا من معاناة الرهائن الأمريكيين الذين أطلقهم ترامب من كوريا الشمالية أو من إيران، تشير إلى استعداد الإدارة الأمريكية اعتبار تركيا ــ الدولة العضو فى حلف شمال الأطلسى – دولة عدوة.
فى الفترة الأخيرة تزداد هجمات الإدارة الأمريكية على تركيا وتتوسع بالوتيرة نفسها الأفعال العدائية التى تقوم بها تركيا ضد الولايات المتحدة وحلفائها. أيضا هاجمت الناطقة بلسان الدائرة السياسية فى الخارجية الأمريكية تركيا بسبب استضافتها زعماء «حماس»، بينهم مسئول كبير مطلوب من السلطات الأمريكية.
تركيا هى التى قادت حملة التنديدات ضد الإمارات بسبب اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل. الإمارات من ناحيتها أرسلت هذا الأسبوع 6 طائرات من طراز أف ــ 16 للمشاركة فى تدريبات فى اليونان.
استعداد الإدارة الأمريكية للاعتراف بالعداء إزاء تركيا، وحتى التشديد عليه، على الرغم من أنها عضو رسمى فى حلف الناتو، هو تعبير عن إعادة تنظيم لشبكة التحالفات التى تجرى حاليا فى المنطقة.
***
قبل عشر سنوات، تسبب الربيع العربى وتأييد إدارة أوباما الإخوان المسلمين وإيران ضد السُنة وإسرائيل، بزلزال كبير وسط العرب السُنة. وخرجت دول المنطقة من هذا الزلزال بفكرة ثورية هى أن إسرائيل هى الحليف والدرع القوى لهم فى مواجهة إيران والإخوان المسلمين (فى صورة «حماس»)، قطر وإيران أقامتا كتلة منافسة.
المرة الأولى التى خرجت فيها الكتلتان إلى العلن كانت فى سنة 2014، فى أثناء عملية الجرف الصامد. يومها دعمت تركيا وقطر وإدارة أوباما «حماس» وشروطها لوقف إطلاق النار. وبفضل الكتلة السُنية فى المنطقة، نجحت إسرائيل فى صد ضغط إدارة أوباما للخضوع لمطالب «حماس».
فور دخوله إلى البيت الأبيض عمل ترامب على السيطرة وقيادة وتوسيع الحلف السُنى ــ الإسرائيلى. حاليا مع إعلان تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، أحجام المشروع وتداعياته على الواقع الاستراتيجى فى المنطقة، وعلى المنظومة الدولية بصورة عامة، بدأت تظهر للجميع.
***
طوال 40 عاما من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتى انقسم العالم إلى كتلتين. مع سقوط جدار برلين فى سنة 1989، انهار هذا الانقسام. صحيح أن الولايات المتحدة كانت تحتكر موقع القوة العظمى الوحيدة فى بداية التسعينيات، لكن مع نهاية العقد بدأت دول ولاعبون غير دوليين بالخروج من الصدمة. حركات يسارية معادية لأمريكا بدأت تثير اضطرابات فى شوارع العالم الغربى باسم النضال ضد العولمة. هذه الاضطرابات عززت العداء التقليدى للولايات المتحدة من دول فى أوروبا الغربية، وساهمت فى زيادة راديكالية اليسار فى أوروبا والولايات المتحدة.
بدأ تنظيم القاعدة حربه ضد الولايات المتحدة مع الهجمات على سفارتى كينيا وتنزانيا فى سنة 1998، والصين بدأت برفع رأسها كدولة مستقبلية عظمى، وبدأت روسيا بترميم مكانتها الدولية كدولة معادية للولايات المتحدة تحت زعامة فلاديمير بوتين.
المقارنة بين السهولة التى بنى فيها الرئيس بوش الأب ائتلافا برعاية الأمم المتحدة لإخراج قوات صدام حسين من الكويت فى سنة 1991، والصعوبة التى واجهها نجله عندما حاول إقامة ائتلاف دولى لإسقاط صدام حسين فى سنة 2003، هى دليل على تآكل مكانة الولايات المتحدة فى التسعينيات. تطلع بوش الابن إلى تحويل العالم العربى إلى عالم ليبرالى ديمقراطى صدم زعماء المنطقة وأغضب الإخوان المسلمين. إسقاط صدام حسين قوّى إيران. بينما عجز بوش عن فهم الوضع، كانت سياسة أوباما فى الشرق الأوسط وليدة نظرة معادية للغرب، زادت فقط الضرر الذى تسبب به مَن سبقه.
داخل هذه الفوضى الاستراتيجية، العمل العقلانى كانت اليد الممدودة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نحو الزعامات السُنية فى عاصفة الربيع العربى.
الحلف بينهم وبين إسرائيل أوقف اللحظة المؤاتية للإخوان المسلمين وإيران، ومنح فرصة للجمهوريين لإيجاد بديل منطقى وناجع، ليس فقط من سياسة أوباما الراديكالية، بل أيضا من الفراغ الفكرى منذ سقوط الجدار.
***
أسوأ شخص فى القدس هذا الأسبوع كان وزير الخارجية البريطانى دومينيك راف الذى لا يرى التطورات، وجاء من أجل «الدفع قدما بالسلام بين إسرائيل والفلسطينيين». بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبى فى أعقاب البريكسيت، توقع الأمريكيون من بريطانيا أن تجدد حلفها مع واشنطن على حساب مشاركتها فى السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى، المعادية لأمريكا وإسرائيل. لكن بوريس جونسون خيّب التوقعات. مع خيبة أمل الأمريكيين الكبيرة، تواصل حكومته العمل إزاء إيران والفلسطينيين بصفتها وفية لسياسة بروكسيل.
يعارض البريطانيون سياسة الضغط على إيران، وامتنعوا من تأييد الولايات المتحدة فى مجلس الأمن قبل أسبوعين. وزارة الخارجية البريطانية، شأنها شأن الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، ردت ببرودة على إعلان تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات من خلال التشديد على «الحاجة» إلى استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.
الكتلة السُنية ــ الإسرائيلية هى عامل استقرار فى الشرق الأوسط، ولها تأثير فى أوروبا وآسيا نحو الأفضل أيضا، لأنها كتلة منظمة. هى ليست وليدة سياسة قوى استعمارية، بل وليدة مصالح مشتركة ثابتة فى المدى المنظور. قيام مثل هذه الكتلة يسمح للأمريكيين بمواجهة تفكك حلفهم مع تركيا. وهو يسمح أيضا للأمريكيين بالعمل ضد إيران من دون دعم مجلس الأمن. كتلة كهذه ستتوسع إذا انتُخب ترامب من جديد، وستبقى حتى إذا فاز بايدن.
محللة سياسية
يسرائيل هَيوم
مؤسسة الدراسات الفلسطينية