فى خضم المشكلات الكثيرة التى يعانى منها الوطن العربى فى الوقت الراهن، من المؤكد أن أسئلة كثيرة يمكن لها أن تثار محورها: أين دور مصر من تلك المشكلات؟ السؤال بالتأكيد يرتبط بالدور الإقليمى الذى يعنى سلوك الدولة، معبرا عنه فى السياسة الخارجية التى ينتهجها نظامها السياسى القائم. هذا الدور بشكل عام يرتبط بواحد أو بعض أو كل المعطيات الطبيعية والبشرية التالية:
أولا: الريادة التقليدية للدولة المعبر عنها فى ماضيها البعيد والمتوسط المدى، وهنا بالتأكيد سيكون لحضارة الدولة ومكانتها التاريخية العامل الحاسم فى تقرير تلك الريادة القديمة. ولا شك أن مصر تتمتع بتلك الريادة التى تشكل لها فرصة كبيرة للتفاعل مع مشكلات إقليمها، فالثقافة والفن والعلوم والعطاء الإقليمى من مساعدات مادية ولوجستية من المنظور التاريخى سيكون له السبق فى تقرير رؤية النظام السياسى القائم ورؤية الغير له فى حتمية بقاء تلك الريادة واستمراريتها وليس اجترار الماضى.
الأمر الثانى من تلك المعطيات، هو رؤية وإدراك قادة النظم السياسية لدور بلدانهم الإقليمى، وهنا قد يعتبر بعض الحكام أنه من الأهمية بمكان أن انغماس بلدهم فى المشكلات المحيطة، أو ربما على العكس الانعزال عنها والتقوقع فى البيئة الداخلية. هنا يمكن المقارنة بين دور مصر الناصرية التفاعلى خاصة فى الفترة من 55ــ1967 ودورها الانعزالى نسبيا فى حقبة السادات فى الفترة من 77ــ1981 بغض النظر عن مدى تقييم البعض لهاتين الحقبتين.
الموقع هو المعطى الثالث، وهو أمر مفروض من قبل الطبيعة، وينظر إليه على مدى أهميته من وجهه نظر النظام الحاكم أى إنه على أهميته يظل عاملا نسبيا، بمعنى أنه يتوقف على رؤية النظام السياسى القائم، فدولة مثل مصر ملتقى ثلاث قارات، وبحرين كبيرين، وممر دولى، وذات ثروات معقولة فوق وتحت الأرض، عادة ما ينظر قادة نظمها السياسية إليها عبر التاريخ لأهمية تلك الثروات، فى حين توجد بلدان مغلقة لا بحار لها، وثرواتها محدودة، وينظر حكامها لها نظرة تناسب وأحيانا تفوق تلك المكانة المقيدة للعب دور إقليمى.
ويشكل السكان عاملا رابعا فى تقدير دور الدولة، ولا يعنى ذلك كثرة أو قلة العدد، بل يرتبط ذلك بقوة الإنتاج الضاربة بين السكان، ومستوى التعليم، والمهن، والأعمار أو الشرائح العمرية، والنوع، والتناسق والانسجام الثقافى. ولا شك أن مصر أكثر ما يرهقها زيادة السكان من دون أن يتناسب ذلك طرديا مع قوة العمل والإنتاج. الأمر الذى جعلها دولة طاردة للمواطن خاصة إلى بلدان النفط العربى، ما يحكم علاقتها بالدول المستقبلة لمواطنيها.
أما الموارد، فهى تشكل عاملا خامسا، وهو من أبرز الأمور التى تتحكم فى علاقة الدولة بغيرها فى محيطها الإقليمى. هنا تبدو وسائل التكامل القومى بين الأقطار العربية على سبيل المثال مهمة بغرض تبادل السلع والخدمات. ولعل أكبر مؤشر على مدى نجاح ذلك هو قياس حجم التجارة بين البلدان العربية والخارج بحجم التجارة البينية، سواء من حيث القيمة المالية أو من حيث القيمة النوعية.
يرتبط بما سبق (سادسا) حجم الأزمات التى تمر بها النظم السياسية فى الداخل وربما الخارج كمحدد للدور الإقليمى سواء بشكل فرص أو قيود، فعلى سبيل المثال، تعد الخلافات الثقافية والإثنية، وأزمات التعليم والصحة والغذاء والسكان، وقلة الموارد الطبيعية، ونسبة السلع المصنعة من صادرات الدولة، كل ذلك وغيره يشكل محددا قويا لدور الدولة الإقليمى كقيد أو فرص. ودون شك فإن هناك بعضا من تلك الأمور شكّل قيودا على صانع القرار فى مسألة الدور الإقليمى.
أخيرا وليس آخرا، فإن وجود منافسين أقوياء على الدور الإقليمى للدولة، يعد هو الآخر واحدا من محددات طبيعة الدور. إذ إن وجود قوى جديدة وبازغة تشكل منافسا للدولة ذات الريادة الإقليمية التاريخية، يعد أمرا مهما فى بقاء أو ضمور الدور. هنا نضرب مثالا بدولة كقطر استطاعت خلال العقود الأخيرة أن تلعب دور الوسيط بين أطراف متنازعة داخل بعض الأقطار فى محيطها الإقليمى وغير الإقليمى، ما جعل دورها يتجاوز حجمها بكثير.
ما يقصد من كل ما سبق هو حتمية محافظة الدولة المصرية على دورها الريادى فى المحيط الإقليمى، بحيث لا يقتصر هذا الدور على التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل ضرورة أن يتجاوز ذلك دورا قويا ومميزا وأكثر فاعلية فى كل من السودان والصومال وليبيا واليمن والعراق ولبنان وسوريا والمغرب العربى. بعبارة أخرى، لماذا لا تقوم مصر بدور أكثر فاعلية فى محيطها العربى، يعزز من مكانتها فى المشرق العربى ووادى النيل والقرن الإفريقى والشام.