أربعة أسباب دفعت إسحاق رابين إلى توقيع اتفاق أوسلو
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 1 سبتمبر 2023 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
فى يوم الثلاثاء الماضى، جرى الكشف عن جزء من الصراع الذى كان يدور فى قلب اسحاق رابين، مع نشر محاضر جلسات الحكومة التى عقدت قبل الموافقة على اتفاق أوسلو الأول، اتفاق إعلان المبادئ. لقد كان رئيس الحكومة الراحل يعمل حتى الأشهر القليلة السابقة على الدفع باتفاق آخر، وحاول حتى اللحظة الأخيرة الامتناع من المشاركة فى قناة المحادثات التى شكلت فى أوسلو. وقال بصراحة تامة: «هذا الاتفاق غير بسيط. هناك القضية الفلسطينية، ومن الواضح أن المقصود اتفاق مؤقت، وأن المفاوضات ليست مع الوفد الذى لم يكن سوى واجهة ــ واجهة للفاكسات والمكالمات الهاتفية مع تونس. ولم يملك هذا الوفد أى سلطة مستقلة». الوفد الذى تحدث عنه رابين هو الذى وصل إلى واشنطن فى تلك الفترة والتقى المسئولين هناك. وبهذه الطريقة، نشأت قناتان للمفاوضات فى آن معا: رئيس الحكومة أدار المفاوضات فى واشنطن، ووزير الخارجية شمعون بيرس قاد المفاوضات فى أوسلو. فى الجانب الفلسطينى، كان هناك قائد واحد، ياسر عرفات، الذى نجح فى معرفة أى قناة سياسية ستقدم له عائدا أكبر، وسارع إلى وضع العقبات فى وجه المحادثات فى واشنطن. أدرك رابين أن عرفات هو المفتاح فى الاتفاق السياسى، وبحسب المحاضر التى جرى الكشف عنها، قال عنه: «قدرته على الفيتو جرى إثباتها بما لا يرقى إليه الشك، أما قدرته على التسليم ــDELIVERY فالمستقبل فقط سيثبتها». فإذا كان هذا هو الوضع، ما الذى دفع حكومة رابين إلى الموافقة على اتفاق كان رابين يتحفظ عنه، ومع شريك لا يمكن الاعتماد عليه؟ مثل كل زعيم، كانت تحرّك رابين دوافع وطنية وشخصية. أولا، فى انتخابات 1992، تعهد التوصل إلى اتفاق سياسى خلال 9 أشهر. ووجه كل اهتمامه نحو اتفاق مع سوريا (لم ينضج)، ونحو قناة واشنطن للتفاوض مع الفلسطينيين (التى فشلت)، وبقى احتمال واحد فقط (أوسلو). ثانيا، عقيدة رابين الأمنية التى رافقته منذ أيام البلماح، وخلال حرب الأيام الستة، وحتى مرحلة شغله منصب وزير الدفاع فى الثمانينيات والتسعينيات، شهدت انقلابا فى حرب الخليج. الصواريخ البعيدة المدى أثبتت مدى ارتباط إسرائيل بالولايات المتحدة للتزود بإنذار ضد الصواريخ. ورأى رابين أنه من الأفضل المحافظة على التأييد الأمريكى أيضا فى المواجهة مع إيران التى كانت تشكل تهديدا استراتيجيا مركزيا، وبالتالى يجب تقديم تنازلات فى الموضوع الفلسطينى.
بالإضافة إلى ذلك، الهروب الكبير من تل أبيب فى أعقاب إطلاق الصواريخ خلال حرب الخليج أقنعه بأن الجمهور الإسرائيلى لم يعد يتمتع بالمناعة النفسية للوقوف فى مواجهة مستمرة مع الفلسطينيين. وقد روى يوسى ساريد أن رابين قال له: «الأمة التى تجهد عضلاتها خلال 50 عاما، فى النهاية، هذه العضلات تتعب. «الحافز الثالث هو حافز افتراضى تماما، ويعود إلى أن رابين لم يقدر قط أهمية غزة. فقد اعتبر القطاع مكانا من الأفضل التخلص منه، وفى أقرب وقت. ونظرا إلى أن المرحلة الأولى من إعلان المبادئ تتعلق بغزة بالأساس، فهى كانت تتلاءم مع مواقفه بصورة عامة.
رابعا، اعتبر رابين الاتفاق اختبارا يمكن العودة عنه ـ وسأل فى المحاضر التى كشف عنها: «هل يمكننا استخدام الاتفاق كاختبار (TEST) فى غزة، ووضع لا نتخلى فيه عن السيطرة الكاملة على الضفة الغربية. إننى أقترح الفصل بين ما جاء فى الورقة وبين كيفية تحقيقه». يومها، كتب الصحافى أمنون أبراموفيتس: «رابين راشد بما فيه الكفاية، وسياسى بما فيه الكفاية، كى يدرك أنه لا يمكن العودة عن الاتفاق». والوضع أصبح أكثر توترا عندما اتضح أن حزب شاس يمكن أن يستقيل من الحكومة، بعد تقديم كتاب اتهام ضد آرييه درعى. ومن دون إنجاز سياسى ملموس، كان من الممكن سقوط حكومة رابين فى نوفمبر 1993. أيضا الوضع وسط الفلسطينيين لم يكن مشجعا: فقد نشأ شعور بأن الوقت بدأ ينفد، قبل أن يفقد عرفات ومنظمة التحرير قوتهما وتزداد قوة «حماس».
بمرور السنين، كان هناك من قدر أنه لو لم يتم اغتيال رابين، لكان أوقف أوسلو بنفسه. ليس هناك ما يدعم هذا الافتراض. وتثبت المحاضر المختلفة التى نشرت، وخصوصا خطواته العلنية، أن رابين استمر فى تطبيق الاتفاقات، على الرغم من الانهيار الكامل للنظرية التى كانت فى أساسها ــ تسليم عرفات وأجهزة السلطة الفلسطينية المسئولية الأمنية لمحاربة «حماس»، من دون «المحكمة العليا وبتسيلم» [المركز الإسرائيلى للمعلومات عن حقوق الإنسان فى المناطق المحتلة]. لقد تعبت عضلات بطل إسرائيل الذى حارب من أجل إقامة الدولة وتحرير القدس. الضغط السياسى وعدم الثقة بمناعة الشعب دفعاه إلى التوجه نحو قناة أوسلو، على الرغم من المخاطر التى كانت واضحة للعيان منذ بداية الطريق.
يوفال بلومبرج
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية