حكومة القرية الذكية تحارب التكنولوجيا الذكية
مصطفى كامل السيد
آخر تحديث:
الإثنين 1 نوفمبر 2010 - 10:42 ص
بتوقيت القاهرة
هل نذكر أسباب اختيار الدكتور أحمد نظيف رئيسا للوزراء فى سنة 2004، والتحليلات الصحفية التى صاحبت تعيينه فى هذا الوقت. لقد قيل وقتها إن كلا من الرئيس حسنى مبارك ونجله جمال قد انبهرا بنجاح الدكتور نظيف فى إدخال شبكة الإنترنت ٌإلى قرى الصعيد، ولذلك فقد كان المرجو من توليه منصب رئيس الوزراء أن يواصل جهوده تلك، وأن يتمكن مع زملاء له اختارهم فى الوزارة أن ينقل مصر ليس فقط إلى عصر التكنولوجيا فائقة السرعة، ولكن أن ينجح فيما هو أهم من ذلك، وهو إلحاق مصر بالسباق العالمى على اكتساب المعرفة واستخدامها لتدخل بسرعة وثقة فيما سمته الصحف فى مصر والعالم بعصر المعرفة.
ولا شك أن الدكتور نظيف نجح فى جانب من هذه المهمة، فقد زاد عدد مستخدمى الإنترنت فى مصر ليقترب من سدس السكان، وارتفع من قرابة ستمائة وخمسين ألفا فى بداية الألفية الثالثة إلى أقل قليلا من عشرة ملايين فى سنة 2008، وذكر تصريح لوزير التنمية الإدارية أن العدد قد وصل هذا العام إلى ثمانية عشرة مليون مواطن. وكان استخدام الإنترنت كثيفا من جانب الشباب خصوصا، فقد أصبح أكثر من نصف الشباب يدخلون إلى الشبكة العنكبوتية على الرغم من أن من يملكون منهم أجهزة الحاسب الآلى لا يتجاوزون ثلث السكان بكثير، ومن لا يملكون منهم هذه الأجهزة يلجأ إلى مقاهى الإنترنت التى انتشرت فى كل ربوع البلاد ليحصل على هذه الخدمة بسعر زهيد للغاية.
والواقع أن أسعار الإنترنت فى مصر رخيصة إلى الحد الذى ساهم كثيرا فى انتشارها.
واتساقا مع هذا الدور الذى رسمه لنفسه، فقد أحاط الدكتور نظيف نفسه بعدد من الوزراء الذين رجا فيهم أن يساعدوه فى إنجاز مهمة نقل مصر إلى عصر الحكومة الإلكترونية، واختارهم من بين زملائه فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وكان فى مقدمتهم كل من الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات، والدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية، بل وكان يفضل أن يمارس مهام منصبه ليس من مقر رئيس وزراء مصر فى وسط العاصمة، ولكن من مقر جديد يجد نفسه فيه محاطا بكبريات شركات تكنولوجيا المعلومات فى العالم.
انقلاب السحر على الساحر
هذا النجاح النسبى للدكتور نظيف، والذى يصعب أن نجد له سواه، هو مصدر قلق شديد لدوائر عديدة فى الدولة، ومن بينهم وزراء فى الحكومة التى يرأسها الدكتور نظيف ذاته، وكذلك آخرون يفوقونهم سلطة خارج الوزارة وفوق الوزارة. الدكتور نظيف لم يكن يدرى أى مارد يطلقه بفتح أبواب مصر أمام تكنولوجيا المعلومات هذه، ولم يكن يتصور الذين جاءوا به إلى رئاسة الحكومة أن ما رحبوا به فى البداية سوف ينقلب سريعا عليهم، ولن يستطيعوا حبسه من جديد، حتى وإن قيدوا حركته إلى حين.
لقد فتحت شبكة المعلومات الدولية، ومعها قنوات التليفزيون الفضائية أعين شباب مصر على ما يدور حولهم فى العالم الواسع، واكتشفوا سريعا أن النظام السياسى فى مصر ينتمى إلى فئة من النظم عفا عليها التاريخ.
ليست هناك أمثلة كثيرة فى عالم اليوم لنظم تقييد حرية مواطنيها فى اختيار من يحكمهم، وتمارس تزوير إرادتهم بكل الجرأة والعلانية وتسمى ما تقوم به بأنه أزهى عصور الديمقراطية، وتسمح لرئيس الدولة أن يبقى فى منصبه كيفما يشاء مهما كان ما يقضى به التقدم فى العمر، أو ترهل الأداء.
وهكذا جاءت المفاجأة الكبرى ليس من شباب الأحزاب السياسية التى شاخت، أو حركة المعارضة الأكثر انتشارا والتى تسمى رغم وجودها العلنى الزاعق بالمحظورة، ولكن من الشباب الذى أدرك وحده وبفضل تكنولوجيا المعلومات هذه عمق الأزمة التى تعيشها بلاده، وكانت انطلاقته الكبرى هى فى أبريل 2008 عندما دعا وعن طريق وافد جديد على عالم تكنولوجيا المعلومات وهو الفيس بوك إلى إضراب عام للمطالبة بإصلاح سياسى حقيقى بدلا مما أطلق عليه للتمويه هذه التسمية فى تعديلات الدستور فى سنة 2007 التى أسقطت ورقة التوت التى كانت تخفى أقبح وجه للنظام بإلغاء الرقابة القضائية المباشرة فى الانتخابات العامة، وإطلاق يد وزارة الداخلية فيما تريد أن تفعله بالمواطنين، وكانت انطلاقته الثانية هى فى شتاء هذا العام عندما أخذ فى تنظيم صفوفه ودعوة المواطنين لكى يؤيدوا مرشحا آخر لخوض
انتخابات الرئاسة بدلا من مرشح الحزب الحاكم، والذى توقع الكثيرون أن يكون واحدا أو آخر من عائلة الرئيس.
كيف تعيد الحكومة المارد إلى القمقم؟
هذا النجاح النسبى لحركة شباب 6 أبريل، ومن بعده حركة التوقيعات المؤيدة لترشيح البرادعى فى انتخابات رئاسة الجمهورية وتمكن الإخوان المسلمين من التواصل مع أعضائهم ومؤيديهم، وفضلا عن ذلك كشف منظمات حقوق الإنسان بل ومواطنين عاديين الانتهاكات الواسعة التى ترتكبها أجهزة الأمن لحقوق المواطنين، لم يكن ممكنا إلا باستخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات التى وسعت حكومة الدكتور نظيف من انتشارها، وعلى الرغم من أن أنصار الحزب الوطنى قد حاولوا استخدام نفس الوسائل، إلا أن إخفاقهم كان ذريعا لافتقاد خطابهم للمصداقية.
ولمحاولتهم إنكار حقائق ثابتة مثلما حدث لخالد سعيد على يد رجال الشرطة فى الإسكندرية، أو النصيب المحدود من تأييد المواطنين لكبار مرشحى الحزب الوطنى الديمقراطى، وانتهى الأمر إلى أن تقع المسئولية فى مواجهة الآثار غير المتوقعة لتكنولوجيا المعلومات على وزارة الداخلية، وتعاونت معها، ويا لسخرية وزارة تحمل اسم الإعلام، وصارت مهمتها محاربة أى إعلام حقيقى.
اتبعت وزارة الداخلية الأساليب التى أجادتها عبر زمن طويل، وهو استعمال سلاح القمع، فألقت القبض على بعض المدونين، وفى مقدمتهم عبد الكريم نبيل سليمان عامر الذى ارتبط اسمه بإضراب العمال فى المحلة الكبرى، ومنهم أيضا مدون آخر هو محمد رفعت، وآخرون.
ولكن مع التصاعد السريع فى عدد مواقع التدوين خلال سنوات قليلة من أربعين موقعا إلى أكثر من مائة وستين ألفا، وجدت وزارة الداخلية أن نطاق الملاحقة لابد من توسيعه، فأنشأت قسما لمتابعة ما يدون فى هذه المواقع، ولا يتردد العاملون فى هذا القسم فى الاتصال بأصحاب المواقع، أو حتى بمن يتبادلون الآراء فى غرف النقاش الإلكترونية للتحذير والإنذار، ومارست الضغوط على شركات المحمول للكشف عن أسماء من دعوا إلى إضراب 6 أبريل، وأغلقت بوسائلها أكثر من موقع إلكترونى لعل من أشهرها مواقع للإخوان المسلمين، ولجريدة حزب العمل الاشتراكى، بل وكثفت من جهودها فى متابعة المكالمات التليفونية على شبكات المحمول.
هذا كله لم يعد يجدى، فوزارة الداخلية تحارب عدوا ماكرا أسقط من قبل حكومات عديدة فى شرق أوروبا فى بداية التسعينيات تصورت أنها تستطيع حجب المعرفة بأوضاع بلادها عن مواطنيها فى عصر ثورة المعلومات، وهو عدو اسمه المعرفة لا يمكن الإمساك به، وهنا تبلور التعاون بين أجهزة الأمن الشرطى والأمن الإعلامى، فشمر وزير ما يسمى بالإعلام عن ساعديه، وتعددت فى الأسابيع الأخيرة الممنوعات، من وقف برامج حوارية تليفزيونية، وتقييد فى استخدام التليفزيون فى الدعاية للأحزاب السياسية، وإعلان النية فى قصر البث المباشر من لجان الانتخابات على القنوات الرسمية، وأخيرا وقف الرسائل الإخبارية الموجهة إلى أجهزة التليفون المحمول.
معركة خاسرة
يقال إن التاريخ قد يعيد نفسه، وهو فى المرة الأولى للحدث يحمل طابعا دراميا جادا، ولكنه فى المرة الثانية ينقلب إلى طابع يختلط فيه الجد بالهزل. وزارتا الداخلية والإعلام ومن ورائهما الحزب الوطنى الديمقراطى يحاربان أرقى صورة للقفزة التكنولوجية التى يعرفها العالم المعاصر والتى تتمثل فى ثورة المعلومات.
وقد حارب الحرفيون من قبل الثورة الصناعية حتى بإحراق الآلات، ومضت الثورة الصناعية فى طريقها. لم يعد من الممكن إخفاء الحقائق فى هذا العصر، وسوف يجد شباب مصر وهم يتواصلون ويبحثون عن المعلومات الصحيحة وينشرونها ويعبئون الرأى العام حولها عشرات الطرق للتغلب على العراقيل التى تضعها فى طريقهم أجهزة الدولة وحزبها، وخصوصا عندما تحاول هذه الأجهزة كبت معلومة لم تعد سرا منذ زمن طويل، وهى أن النظام القائم فى مصر، لا يستطيع، ولا يريد، أن يدير معركة انتخابية نزيهة فى أى موقع.
والشواهد على ذلك كثيرة وتترى كل يوم. صحيح أن انتشار هذه المعلومة التى يعرفها الكافة لن يقوض أركان هذا النظام فى الأجل القريب. ولكنه، كما يقولون حبل الكذب قصير، ويعرف التاريخ المعاصر أمثلة كثيرة لنظم بذلت أقصى جهودها لحجب حقيقتها عن مواطنيها، ثم طواها التاريخ. غير مأسوفة عليها.