الديمقراطى والدوجماتى والديماجوجى

معتز بالله عبد الفتاح
معتز بالله عبد الفتاح

آخر تحديث: الثلاثاء 1 نوفمبر 2011 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

أكيد أن القارئ الكريم سيمتنع عن قراءة هذا العمود بعد هذا العنوان «المكلكع». ولكن الهدف قطعا ليس استعراض المصطلحات المعقدة وإنما هى «محاولة للفهم» كما يقول العنوان الثابت لهذا العمود.

 

أما الديمقراطى فهو الذى يحتكم للشعب فى ضوء الدستور والقانون القائمين فى البلاد. أما الدوجماتى فهو من يلتزم بشكل جامد (من الجمود) بأيديولوجية (أى رؤية سياسية معينة) بحيث لا يقبل النقاش أو التطور. أما الديماجوجى فهو من يعبئ الجماهير ويثير مشاعرها فى اتجاه سياسى معين حتى لو اضطر إلى استخدام الأكاذيب والمبالغات.

 

هل من الممكن أن تجتمع الثلاثة مصطلحات لوصف نظام حكم بعينه؟

 

الإجابة نعم، ولا. نعم لأنها ممكن أن تحدث فى لحظة زمنية بذاتها، ولكن هذه اللحظة لا يمكن أن تستمر طويلا. ولنتذكر الاختيار الذى أقدم عليه الناخبون الألمان فى عام 1933 باختيار الحزب النازى فى انتخابات ديمقراطية حين وقعوا فريسة للدوجماتية والديماجوجية فى أبشع صورة لهما. ولأن الديمقراطية بطبيعتها تفترض الحوار والنقاش والاختلاف فى وجهات النظر، فما كان لها أن تستمر طويلا فى ألمانيا. وطالما تم تغليب الدوجماتية والديماجوجية فلا مجال للمزيد من الديمقراطية لأن هاتين إن دخلتا من الباب خرجت الديمقراطية من الشباك. وكانت النتيجة حربا عالمية قدر عدد من ماتوا فيها برقم بين 50 و70 مليون قتيل.

 

وقد اقتربت الجزائر من لحظة جمعت هذه الثلاثية فى 1990 حين اختار قطاع واسع من الجزائريين «الجبهة الإسلامية للإنقاذ». ولأن قيادات الجبهة كانت حديثة عهد بالديمقراطية ولا تعى قيمها فقد غلبتها الدوجماتية والديماجوجية ليقف أحد قياداتها (على بلحاج) معلنا انتصار حزبه ومعلنا أنه لن يقبل بعد ذلك حكم الديمقراطية لأنه يريد «حكم الإسلام» وكأن الإسلام لا يعرف الديمقراطية ولا يحترم اختيارات الناس مع أن جوهر فكرة البيعة أنها الآلية التى كانت معبرة عن إرادة الأمة على عهد الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم وصحابته العظام، رضى الله عنهم. كل ما فى الأمر أننا نغير الآلية ونحتفظ بجوهر الفكرة.

 

ما علاقة كل ما سبق بالانتخابات القادمة القادمة فى مصر؟

 

نريدها ديمقراطية، ولا نريدها دوجماتية أو ديماجوجية. ولهذا أحترم بعض القيادات الدينية التى تعلن أنها تحترم إرادة الناخبين وتقدر الآلية الديمقراطية وتقبل اختيارات الناس ولا ترفع شعارات ديماجوجية تغازل المطامع وتلعب على المخاوف، وتقبل أن تتطور وتعلن أنها كانت مخطئة فى مرحلة ما لأنها لم يكن لها تصور متكامل بشأن الديمقراطية كآلية وثقافة وأنها الآن تقبل بها وتسعى للتفاعل معها بإيجابية. قدم السيد راشد الغنوشى، زعيم حزب النهضة الإسلامى التونسى، تطمينات جيدة تؤكد أن قطاعا من الإسلاميين وعى الدرس وفهم نقطة التلاقى بين جوهر الإسلام ودور الديمقراطية. والمهم أن يصدق القول العمل. والإسلاميون المصريون ليسوا أقل حكمة أو تحضرا قولا وعملا إن شاء الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved