صحيفة المغرب ــ تونس: إخراج التونسيات من المشهد السياسى
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 1 نوفمبر 2022 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى بتاريخ 29 أكتوبر تناولت فيه محاولات الرجال وبعض النساء الموالية للسلطة لإقصاء النساء المناضلات من المشهد السياسى بحجة أنهن غير مؤهلات لاقتسام السلطة مع الرجل، على الرغم من تاريخهن النضالى بدءا من مقاومة الاستعمار وصولا إلى الآن.. نعرض من المقال ما يلى.
تفاعلت عديد المنظمات والهيئات والجمعيات والأحزاب مع المرسوم عدد 55 لسنة 2022 فقد ندّدت بالنهج الإقصائى الذى يكرّسه القانون الانتخابى من خلال نسف آلية التناصف التى تضمن تمثيلية أكثر إنصافا للنساء، ونبّهت إلى أنّ حضور النساء فى البرلمان القادم سيكون لا محالة، باهتا.. ولكن لا مجيب. ولا معنى لهذا الإصرار على تجاهل إكراهات واقع اجتماعى يرى أنّ السياسية امتياز ذكورى، ولا يجد حرجا فى ممارسة العنف الرمزى والنفسى وأحيانا المادى على المترشحات سوى وجود إرادة سياسية ترى أنّ المشهد السياسى يتطلّب إعادة هيكلة و«تطهيرا».
هذا النكوص يبرّره مناصرو مسار 25 يوليو بأنّ أداء النساء (عبير موسى وسامية عبوّ وأخريات..) كان جزءا من المشكلة إذ «فسدت السياسية» وعمّت الفوضى وكثر «العراك» وتمت «مسرحة» عديد المواقف وظهرت سلوكيات «غريبة» كالغناء والزغاريد و«تأنّثت» السياسية. وينمّ هذا التبرير فى تقديرنا، عن التمثلات الاجتماعية ــ الدينية والرمزية المترسّخة فى المتخيل الجمعى التى تقرن النساء بالشيطان والكيد والنجاسة و... وتنسب لهن العاطفية والانفعالية والفوضى و... فى المقابل يُتّصف الرجال بالعقلانية والنظام والانضباط وقوّة التدبير.
ولعلّ استرجاع الخطابات التى برّرت «إخراج عائشة» من عالم السياسة بعد «واقعة الجمل» وإلزامها بالبيتوتة مفيد فى هذا الصدد، لأنّه يقيم الدليل على أنّ البنى الذهنية لا تزال متصلبة وأنّ «دخول النساء» إلى المجال السياسى يبقى فى الغالب، غير مرحّب به، فهنّ «الوافدات» ولا يستطعن الثبات ولا الارتقاء بالنشاط السياسى ويكفى هنا أن نتذكّر ما فعلته زوجات السلاطين ورؤساء الدول و... لنزداد يقينا بأنّهن غير مؤهلات لاقتسام السلطة مع الرجال.
قد يكون الحدّ من تمثيلية النساء مفهوما فى هذا المشروع «الإصلاحي ــ التطهيرى» الذى يزيح النساء «المفسدات فى الأرض» و«النجسات» من المشهد، ويستبدلهن بفئة أخرى من النساء الحارسات للنظام الأبوى والمدافعات عن «مسار 25 يوليو» الذى سيحقق لهن بعض المواقع التى لا تكتسب من خلال الكفاءة والمعرفة والخبرة.. بقدر ما تفيد من بنى القرابة والنظام العشائرى الحامى والشعور بالمظلومية.. وفى الواقع لا تعوزنا التجارب التاريخية السياسية التى أثبتت تواطؤ فئة من النساء مع النظام، وانقلابهن على المنجز النسائى والمكتسبات التى تحققت بفضل التضحيات الجسام. من قال إنّ الذكورية أيديولوجيا لا ينافح عنها إلاّ الرجال؟
إنّ مسار الجمهورية الجديدة يتطلّب، حسب مهندسيه، إعادة الاعتبار إلى الرجال الممثلين «للذكورة التقليدية المهيمنة» وإعادة النظر فى البنية العلائقية بين الجنسين ونظام الأسرة وغيرها من المسائل الاجتماعية التى لا تنفصل عن التصورات السياسية. كما أنّ هذا المسار يعيد ترتيب البيت السياسى الداخلى من خلال وضع كلّ «جنس» فى مكانه «الطبيعى». وليست النساء المعوّل عليهن فى عملية البناء إلاّ أدوات فى خدمة المشروع ولا يمكن أن يكن بأى حال ذواتا تعبّر وتنتقد وتفعل وتهدد و... فهذا الأنموذج يشكّل مصدر خطر جسيم. إنّه يثير مخاوف قديمة لدى الرجال لها صلة بمختلف السلط.
فما المطلوب من التونسيات اليوم؟: أن يحرقن وراءهن تاريخا من النضال من أجل انتزاع مواطنتهن؟ أن يُعدن التصرّف فى ذاكرتهن على نحو تُمحى فيه كلّ الصور التى تثبت فاعليتهن فى محطّات مختلفة من التاريخ بدءا من حقبة مقاومة المستعمر وصولا إلى أحداث الرديف والقصبة1 و2 واعتصام الرحيل واحتجاجات أمّهات الشهداء/ات وجرحى/ات الثورة وعاملات المصانع وغيرها...؟ أن يدخلن «بيت الطاعة» ليصبحن «متأدبات» مطيعات وخانعات ومتقبلات لكلّ القرارات والقوانين، ومطبّعات مع العنف الأبوى ــ السياسى، والطبقى والاقتصادى والقمع البوليسى...؟ أن يتخلّصن من المعارف القانونية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والنسوية و... والتجارب والخبرات التى جعلتهن متمكّنات وصاحبات صوت مسموع وفعل على الميدان؟ أن يُعدن تشكيل ذواتهن فيتحوّلن إلى نساء فى خدمة مسار سياسى جديد لا مواطنات متساويات مع الرجال؟ أن يتعمدن النسيان ويعتدن على التصميت؟
إنّ شوارع السودان وموريتانيا وكينيا وإيران تقيم الدليل على أنّ حركة التاريخ تسير إلى الأمام وأنّ صناعة الأمل مستمرة وهى الدعامة الكبرى لحركات التحرر.