الشرق الأوسط.. كيف تختلف حرب الاستنزاف الجديدة عن الحروب السابقة بين العرب وإسرائيل؟
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 1 نوفمبر 2024 - 6:35 م
بتوقيت القاهرة
على خلاف الحروب العربية-الإسرائيلية السابقة، تتسم الحرب الدائرة اليوم فى الشرق الأوسط من جهة بطول أمدها ومن جهة أخرى بالعجز الدولى عن إنهائها بتوظيف الأدوات الدبلوماسية المتمثلة فى الوساطة والتفاوض واستصدار القرارات الأممية القاضية إن بوقف لإطلاق النار أو بفض اشتباك القوات أو بترتيبات لهدن مختلفة الآجال أو بمعاهدات سلام.
فحرب ١٩٤٨، وهى كانت قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ أطول الحروب، نشبت فى ١٥ مايو ١٩٤٨ ووضعت أوزارها فى ١٠ مارس ١٩٤٩. أما العدوان الثلاثى، عدوان إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على مصر بعد صفقة الأسلحة التشيكية (١٩٥٥) وتأميم قناة السويس (١٩٥٦)، فجاءت بدايته فى ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦ وتوقف بعد أيام معدودة فى ٧ نوفمبر. وإذا كانت حرب يونيو ١٩٦٧ لم تتجاوز على الجبهات المصرية والسورية والأردنية «الأيام الستة» وحرب أكتوبر تواصلت عملياتها العسكرية على الجبهتين المصرية والسورية بين ٦ و٢٥ أكتوبر ١٩٧٣، فإن الغزو الإسرائيلى للبنان وما نتج عنه من احتلال العاصمة بيروت بدأ فى ٦ مايو ١٩٨٢ وتوقف تدريجيًا بانسحاب القوات الغازية إلى خطوط مختلفة اعتبارًا من ٤ سبتمبر من نفس العام. خرج الاحتلال الإسرائيلى من مجمل الأراضى اللبنانية فى ١٧ فبراير ١٩٨٥، باستثناء شريط حدودى فى الجنوب سيطر عليه إلى أن انسحب منه هو والميليشيات المتعاونة معه (جيش لبنان الجنوبى) فى مايو ٢٠٠٠. أما حرب لبنان الثانية فى ٢٠٠٦، والتى شهدت صراعًا عسكريًا بين إسرائيل وحزب الله، فتجاوزت الثلاثين يومًا بقليل، حيث نشبت فى ١٢ يوليو، وانتهت فى ١٤ أغسطس ٢٠٠٦.
فقط حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل والتى تواصلت بين مارس ١٩٦٩ وأغسطس ١٩٧٠ هى الحرب العربية-الإسرائيلية الوحيدة الأطول أمدا، بحسابات اليوم، من الحرب الدائرة فى غزة منذ العام الماضى والممتدة أخيرًا إلى لبنان. غير أن حرب الاستنزاف، وهى استغرقت سنة ونصف السنة، راوحت عملياتها العسكرية بين حدة بالغة فى بعض الفترات وبين شىء من الهدوء النسبى فى فترات أخرى واختلفت من ثم جذريًا عن الحرب الراهنة التى لا يمر بها بضع ساعات دون غارات جوية أو هجمات بالصواريخ والمسيرات أو تغول لقوات برية أو إنذارات للسكان المدنيين بإخلاء مساكن وأحياء تارة وضيع ومدن تارة أخرى، دون دماء ودمار واسعى النطاق.
• • •
فيما خص المساعى الدولية لإنهاء الحروب إن بتفعيل جهود الوساطة والتفاوض أو من خلال العمل فى أروقة الأمم المتحدة، فتلك لم تغب أبدا منذ ١٩٤٨، وكثيرًا ما أسفرت عن نتائج يعتد بها لجهة وقف إطلاق النار على جبهات القتال وفض الاشتباك بين المتقاتلين، وأنتجت أحيانًا ترتيبات سلام لم تتوازن فقصر أجلها أو توازنت فاستقرت وطال أمدها، ومرارًا ما أقرت التزامات وتعهدات على العرب وإسرائيل وضمانات دولية لصون احترامهم لها وتفاوتت الأمور عند التطبيق الفعلى على نحو فاحش.
فكان أن أشرفت الأمم المتحدة على التفاوض بغرض إنهاء الحرب فى ١٩٤٨، ونجحت، برعاية أمريكية وبريطانية وفرنسية وبضغط من الهزيمة العربية، فى حمل مصر والأردن وسوريا ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى على التوقيع المتبادل على «اتفاقات الهدنة» فى ١٩٤٩.
وفى حرب ١٩٥٦، وبعد مقاومة مصرية باسلة فى منطقة القناة وبعد أن أنذر الاتحاد السوفييتى السابق إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بحتمية إيقاف العدوان والانسحاب من الأراضى المصرية وبعد أن أصدر الرئيس الأمريكى آنذاك دوايت أيزنهاور إنذارا تاليا مشابها، استصدرت الأمم المتحدة فى ٦ نوفمبر ١٩٥٦ عبر الجمعية العامة (فى دورة استثنائية طارئة أقر انعقادها مجلس الأمن باقتراح من الولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن من حق البريطانيين والفرنسيين استخدام الفيتو لمنعها لكونها مسألة إجرائية) القرار رقم ١٠٠١ القاضى بوقف إطلاق النار وانسحاب القوات المعتدية، فتوقفت العمليات العسكرية فى اليوم التالى ونفذ الانسحاب فى ديسمبر من نفس العام من قبل بريطانيا وفرنسا وفى مارس ١٩٥٧ من قبل إسرائيل.
فى حرب ١٩٦٧، وبعد أيامها الستة التى انتهت بهزيمة الجيوش العربية، وافقت الأردن ومصر وسوريا تباعا على قرارات مجلس الأمن أرقام ٢٣٤ و٢٣٥ و٢٣٦ القاضية بوقف إطلاق النار دون تحريك للقوات الإسرائيلية التى كانت قد احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية وسيناء ومرتفعات الجولان. ثم عاد مجلس الأمن فى نوفمبر ١٩٦٧ ومرر، بتوافق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى السابق وبعد مداولات طويلة، قراره الشهير ٢٤٢ الذى ألزم إسرائيل فى نسخته المعتمدة باللغة العربية بالانسحاب من الأراضى العربية المحتلة فى حرب الأيام الستة بينما طالبها فى نسخته المعتمدة باللغة الإنجليزية بالانسحاب من أراض عربية محتلة فى الحرب. وفى جميع الأحوال، وبينما وافقت عليه الدول العربية، لم تنفذ إسرائيل مقتضى القرار ٢٤٢ وتحايلت، مستندة إلى الحماية الأمريكية، على كل المساعى التى أطلقتها الأمم المتحدة (عبر المبعوث الخاص لأمينها العام وهو الدبلوماسى السويدى جونار يارنج) لتحقيق انسحاب قواتها من الأراضى المحتلة أو أراض محتلة.
أما حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، فانتهت بمبادرة وزير الخارجية الأمريكى آنذاك ويليام روجرز التى أوقفت إطلاق النار المتبادل واكتفت بفتح الباب مجددا أمام جهود الوساطة والتفاوض الدولية دون ممارسة واشنطن لضغط حقيقى على تل أبيب لتنفيذ القرار ٢٤٢.
فكان أن نشبت الحرب للمرة الرابعة بين العرب وإسرائيل فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣ ترجمة لعمل مصر وسوريا على تحرير الأرض المحتلة، واستمرت عملياتها العسكرية ١٩ يومًا تخللها استصدار مجلس الأمن للقرارات أرقام ٣٣٨ و٣٣٩ و٣٤٠ الداعية إلى وقف إطلاق النار، وتلاها إطلاق وزير الخارجية الأمريكى آنذاك، هنرى كيسنجر، لدبلوماسيته المكوكية التى أسفرت فى يناير ومايو ١٩٧٤ تواليًا عن توقيع مصر وسوريا لاتفاقات "فض الاشتباك الأول" مع إسرائيل ثم عن إبرام مصر وإسرائيل اتفاق «فض الاشتباك الثانى» فى سبتمبر ١٩٧٥، وكل ما تلاه من مبادرات ومفاوضات ومعاهدات السلام والتى أعادت إلينا ما تبقى من أرضنا المحتلة فى سيناء بعدما نجح جيل مصرى عظيم فى تحريره من أرضها فى حرب أكتوبر المجيدة.
أما الغزو الإسرائيلى للبنان فى ١٩٨٢ وكذلك حرب لبنان الثانية فى ٢٠٠٦، فقد شهدا تدخلات دولية كثيرة، ومساعٍ أممية متتالية لإيقاف إطلاق النار حد منها الانحياز الأمريكى لإسرائيل، ومبعوثين خواص أمريكيين وأوروبيين (ومبعوث سوفييتى فى الثمانينيات) جالوا عواصم الشرق الأوسط، ومعاهدة استسلام إبان الغزو فى ١٩٨٢ سرعان ما سقطت (ما سمى بمعاهدة السلام اللبنانية-الإسرائيلية الموقعة فى ١٧ مايو ١٩٨٣)، وخطط أمريكية لانسحاب القوات الإسرائيلية الغازية لم تنفذ بالكامل، ومقاومة باسلة طردت المحتل الإسرائيلى فى ٢٠٠٠، وقرارًا شهيرًا لمجلس الأمن أنهى حرب ٢٠٠٦ وهو القرار ١٧٠١ الذى شكل قوات السلام الدولية العاملة فى لبنان وله مقتضيات أخرى لم تطبق فى الماضى لامتناع إسرائيل وحزب الله عن الالتزام الفعال بها.
• • •
بصرف النظر عن تقييم مضامين ونتائج المساعى الدولية لإنهاء الحروب المشتعلة فى الشرق الأوسط منذ ١٩٤٨، ودون تجاهل لحقيقة راسخة مؤداها أن الانحياز الأمريكى على وجه الخصوص والغربى على وجه العموم للدولة العبرية والذى ترجم إلى سلاح ودعم اقتصادى ومالى ودبلوماسى وفر الحماية الشاملة لها ولاحتلالها للأراضى العربية ولاعتداءاتها المتكررة فى جوارها المباشر وفى جوارها الإقليمى بمعناه الواسع ولتمسكها بتصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى، يظل الشاهد أن العالم لم يتجاهل فى الماضى الحروب العربية-الإسرائيلية ولم يتركها تتواصل لأمد زمنى يتشابه مع ما يحدث إزاء الحرب الدائرة اليوم. وإذا كان العجز الدولى عن إنهاء حرب غزة وحرب لبنان ٢٠٢٣-٢٠٢٤ يرتبط بغياب رغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى التدخل الحاسم لغل يد إسرائيل المعتدية وتأييدها لها بإمدادات السلاح والمال المستمرة دون انقطاع، فإنه أيضا يتعلق بضعف أدوار القوى الدولية الأخرى كالدول الأوروبية والصين وروسيا وبالتوازنات الغائبة عن الشرق الأوسط الذى صار مسرحا لصراع إسرائيلى - إيرانى مباشر وبالوكالة (عبر حركات اللادولة كحزب الله والحوثيين) ولسباق تسلح ندفع نحن العرب كلفتهما.