دستور السخرة

أحمد الصاوى
أحمد الصاوى

آخر تحديث: السبت 1 ديسمبر 2012 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

عندما كنت تتعرض لما يخرج عن الجمعية التأسيسية من الدستور من مسودات وأفكار، كان السادة فى الجمعية يردون أن هذه ليست المسودة النهائية انتظروا النهائية ثم ناقشوها، لكنهم بإلحاح يثير الريبة انتهوا من مشروعهم، وسلموه لرئيس الجمهورية ليصدر قرارا بدعوة الناخبين للاستفتاء قبل أن نقرأ المسودة أو نناقشها أو تطرح على الرأى العام فى صيغتها النهائية فى نقاش مفصل كان يروج له هؤلاء قبل أن تتغير معطياتهم الحزبية الضيقة التى يقدمونها على مصالح الوطن.

 

هم يقولون سجل ملاحظاتك على الدستور وقل لنا ما هو القصور فيه، وها أنا أفعل ذلك فى حدود المساحة المتاحة.

 

عندما تقرأ مسودة الدستور، لا بد أن تسأل نفسك مع كل مادة: كيف يمكن أن تطبق هذه المادة فى يوم من الأيام، وما هو الحق الذى تحميه، وما هو الظلم الذى تدفعه عنك إذا ما تغولت السلطة فى حقك، مهمة الدستور أن يحمى حقوقك الأساسية.

 

لكن السادة أعضاء الجمعية التأسيسية وبينهم قانونيون بارزون، ربما لا يعتبرون أن الجنسية المصرية من الحقوق الأساسية، صحيح أن المادة 32 من المسودة تقول: «الجنسية حق ينظمه القانون»، لكن القانونيين الكبار وزملاءهم ممن يرفضون الوقوف للسلام الجمهورى، وممن يعتبرون الديمقراطية كفرا، لم يحاولوا أن يضعوا نصا يحظر إسقاط الجنسية وانتزاعها، إلا لمن يرغب فى التنازل عنها.

 

الجنسية حق أصيل من حقوق الإنسان، لكن هذا النص خالٍ من ضمانات استخدام السلطة والأغلبية البرلمانية لأغلبيتها لتنظيم قانون الجنسية بما يضمن مثلا معاقبة خصومها باسقاط الجنسية عنهم، قلت لك تخيل فى كل مادة كيف ستطبق.. عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر اتسع نطاق كراهية المسلمين فى الولايات المتحدة، وخرجت دعوات لطردهم وسن قوانين من الكونجرس لإسقاط الجنسية عنهم، لكن الذى حمى المسلمين فى أمريكا هو الدستور.

 

لماذا لم تحصن التأسيسية الجنسية المصرية وتحظر إسقاطها عن أى مواطن مصرى طالما لم يتنازل عنها برضاه؟ هذا سؤال أعتقد أنه مشروع؟

 

المادة 63 تقول لك إن «العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن، تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص ولا يجوز فرض أى عمل جبرا إلا بمقتضى قانون».. ما معنى هذه الجملة الأخيرة يا سادة؟ قلت لك فكر فى التطبيق واسأل نفسك هل يجوز لأى قانون أن يجبرك على أن تعمل عملا لا ترغبه، ما معنى لا يجوز فرض عمل جبرا إلا بقانون؟ تعنى أنه يجوز أن يصدر قانون ليفرض عملا ما جبرا، وهذا شكل واضح من أشكال السخرة، التأسيسيون الذين «كروتوا الدستور فى ليلة» عليهم أن يجيبوا على هذا السؤال، النص هنا لا يتحدث عن التجنيد الإجبارى لكنه يتحدث عن حق العمل، وهذا معناه أن قانونا يمكن أن يصدر يلزم كل خريجى الحقوق أن يعملوا ماسحى أحذية على سبيل المثال، وسيكون له سند دستورى فى هذه الحالة.

 

هاتان المادتان فقط بصياغتهما النهائية تلك جريمتان فى حد ذاتهما فى حق المصريين ويتناقضان مع الحقوق والحريات المستقرة، لكنهما يفصحان لك أكثر عن عقلية أولئك الذين وضعوا لك دستور السخرة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved