الأصلي والمزيّف
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 1 ديسمبر 2023 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن، يوضح فيه أن تقنيات الذكاء الاصطناعى جعلت من الصعب التمييز بين الأصلى والمزيف فيما يعرف بـ «التزييف العميق»، لذا أصبح من الصعب تصديق أى محتوى على الإنترنت بسهولة... نعرض من المقال ما يلى.
هل يجرى النظر إلى التاريخ، كما هو فى باطنه، وفق تعبير ابن خلدون، «نظر وتحقيق وتعليل»، أم يجرى الاكتفاء بظاهره، مجرد «أخبار عن الأيام والدول؟ وحتى لو اكتفى المهتمون بعلم التاريخ بالأمر الثانى، أى النظر للتاريخ بوصفه مجموعة أخبار، فمن يستطيع أن يقطع بأن ما يأتون به من «أخبار» صحيح؟ وما الذى يمنع أن تكون مجرد اجتهادات يخلصون إليها، لا تخلو من أهوائهم وانحيازاتهم التى قد تدفع بعضا منهم على الأقل إلى تجيير «أخبار» التاريخ لتتلاءم مع هذه الأهواء؟
هذا عن التاريخ، فماذا عن الحاضر؟ مقدّمة للجواب عن هذا السؤال عن الحقيقى والمزيف أو «المفبرك» فى الحاضر، قد نجدها فى قول أقدم ناشر للقواميس فى الولايات المتحدة (MerriamــWebster)، حول أن مستخدميه رددوا كلمة واحدة باستمرار عام 2023، هى كلمة «أصلى»، حيث شهد الذكاء الاصطناعى بُعدا جديدا للعصر الرقمى، بنشوء ونمو ما يسمى بـ «التزييف العميق»، الذى يتيح التلاعب بالصور أو مقاطع الفيديو رقميا وخداع المشاهدين، حيث أصبح من الصعب تصديق أعين المرء عند مشاهدة المحتوى عبر الإنترنت، وهو ما يفسر زيادة بحث الجمهور عن الوضوح، من خلال الكلمة ــ المفتاح: «أصلى»، لأنه أصبح من الصعب على نحو متزايد حل العقدة التى تفصل بين الحقيقة والخيال.
رئيس تحرير ناشر القواميس الأمريكى قال: إن «هناك نوعا من أزمة الأصالة. ما ندركه هو أنه عندما نشكك فى الأصالة، فإننا نقدرها أكثر»، مضيفا أن الاهتمام المتجدد بالكلمة «أصلى»، كان مدفوعا جزئيا بـ«القصص والمحادثات حول الذكاء الاصطناعى وثقافة المشاهير والهوية ووسائل التواصل الاجتماعى»، وساهم فنانون بارزون فى ترويج المفردة خلال هذا العام، من خلال الإدلاء بتصريحات حول متابعة «صوتهم الأصيل» أو «الذات الأصيلة»، بل إن إيلون ماسك، مالك منصة «إكس» ساهم، ولو بنسبة طفيفة، فى عمليات البحث عن الكلمة، بعد أن دعا الناس إلى أن يكونوا أكثر «أصالة» على المنصة.
فى كتابه «النور والديجور» يقول ميخائيل نعيمة، إن «المفردات فى اللغة كالمعادن فى الأرض، منها الكريم والنادر، ومنها شبه الكريم وهو أقلّ ندرة، ومنها الخسيس وهو الكثير، والنادر هو المُعرّض أبدا للتزييف، فأنتم قلّما تسمعون بالحديد أو النحاس المزيّف، لكنكم تسمعون بالفضة المزيّفة، وبالذهب المزيف».
لم يكن التزييف الإلكترونى بصور الفبركة المختلفة التى أتاحها، قد نشأ بعد، حين قال نعيمة قوله هذا، ولكنه أشار إلى حديث الناس عن المزيف، حيث كان بالوسع التمييز بينه وبين الأصيل، ما يطرح السؤال عمّا إذا ما زال متيسرا اليوم مواجهة هذا الذى أصبح معروفا بـ «التزييف العميق».