جريمة الإعلام
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 فبراير 2021 - 8:35 م
بتوقيت القاهرة
منذ سنوات لاحظت أن أستاذا جامعيا يميل إلى انتقاد أحد الصحفيين على صفحته على موقع «فيس بوك»، بمناسبة وبدون مناسبة، مستخدما فى بعض الأحيان عبارات قاسية تصل إلى حد الشتيمة، وكان واضحا بالنسبة لى أن هناك مرارة خاصة يحملها الرجل تجاه الزميل الصحفى لا أعرف سببها. مرت الأيام، والتقيت بالأستاذ الجامعى، ووجدت نفسى أسأله تلقائيا عن سبب الحالة العدائية التى تتملكه، والتى لم تتوقف إلا برحيل هذا الصحفى عن عالمنا. قال لى: الموضوع لا يخصنى مباشرة، ولكن يخص أصدقاء لى، اتهموا ظلما فى إحدى القضايا، وحصلوا على حكم بالبراءة من القضاء، ولكن تعرضوا خلال الرحلة من الاتهام إلى البراءة إلى حملة تشويه، طالت سمعتهم، وتركت جرحا غائرا فى نفسيتهم، هم وأسرهم، وللأسف كان هذا الصحفى هو رأس الحربة فى التشهير بهم. وأضاف: لم أجد سوى أن أهاجمه يوميا بأقسى العبارات حتى أطلق مخزون الغضب الذى يشتعل بداخلى، وعندما توفى توقفت لأنه أصبح بين يدى الخالق العادل.
لا أناقش هذه الواقعة تحديدا، لأننى لست ملما بأبعادها، ولكنى قصدت فقط أن أشير إلى أنه على الإعلام مسئولية، هى إنارة عقل المتلقى قارئا أو مشاهدا بالحقيقة، وعدم الخوض فى خصوصيات الناس. فى الفترة الأخيرة، لاحظت أن الإعلام، خاصة الالكترونى، انساق وراء قصص مثيرة تتناول الحياة الخاصة لمواطنين، بعضها يمثل قضايا كانت فى طور التحقيق أو فى حوزة مؤسسات العدالة، والتى لا يصح أن يسبقها الإعلام بإصدار أحكام أو الخوض فى سمعة الأشخاص، حتى لو كانوا متهمين، طالما لم تثبت أدانتهم. أحد أسباب هذه الظاهرة ما اسميه «ثقافة الهوجة» أى مجاراة الحكايات المثيرة، والسعى إلى التنقيب عن تفاصيل تمس أخلاق الناس والمجتمع. وكأن فى ذلك سبق يتبارى الإعلاميون للفوز به.
وقد كان لافتا، ومقدرا، أن يقدم الأستاذ كرم جبر رئيس المجلس الأعلى للإعلام اعتذارا لسيدة «المحلة»، التى وصفت إعلاميا بالعنتيلة، ووصف ما حدث لها بأنه «جريمة»، وقد خاض الاعلام فى سمعتها قبل أن يثبت اتهامها بأى تهمة، ويتكرر نفس الأمر مع ما يعرف بطبيب الاسنان، أو غيره، وهنا لا ندافع عن أحد أو نبرئ أحدا، ولكن ندافع عن حق الناس فى الحفاظ على سمعتهم، ولا يحكم الإعلام عليهم قبل أن يقول القضاء كلمته.
أظن أن ما حدث هو تعبير عن سوء إدراك مهنى فى حين أن المجتمع مفعم بالمشكلات التى تتطلب اهتماما إعلاميا، وتحقيقات تغوص فى باطن المجتمع، وإذكاء روح المساءلة والشفافية من خلال رفع وعى المواطن، والتصدى إلى أوجه القصور والفساد. ليس المقصود بالطبع هو صمت الإعلام عن نوعية معينة من القضايا، ولكن المرجو أن يكون الاعلام مسئولا ــ وطنيا وأخلاقيا ــ يعزز حقوق وحريات وخصوصيات المواطنين، لا يطلق أحكاما، أو يوجه الرأى العام فى قضايا منظورة أمام جهات التحقيق.