عن تداخل المصالح والحسابات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 2 فبراير 2024 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
الفرضية الأساسية هنا هى أن الوضع الداخلى فى إسرائيل هو العنصر المفصلى فى تغيير الواقع على الأرض فى غزة والانتقال من الحرب المفتوحة إلى مرحلة أو مراحل أخرى، وهو العنصر الحاسم أيضا فى تحديد مستقبل المسارات السياسية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وهو أيضا مصدر التحديات الكبرى التى ترد على الأمن القومى المصرى والمصالح المصرية فى ارتباطها بأوضاع غزة والضفة وكذلك فيما خص السلام بين مصر وإسرائيل.
ثمة توافق واسع إلى اليوم بشأن الهدف المعلن للحرب فى غزة وهو إزاحة حماس من حكم القطاع وتدمير قدراتها العسكرية إلى الحد الذى لا تستطيع معه تكرار هجمات ٧ أكتوبر فى المستقبل القريب والبعيد.
لن يتغير هذا الهدف مع تغير طبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية فى القطاع والانتقال إلى مرحلة أقل حدة من الحرب والمتوقع أن تبدأ فى غضون الأيام أو الأسابيع القليلة القادمة. المرجح، وفقا لتقديرات الخبراء الأمنيين فى إسرائيل، أن تستغرق هذه المرحلة الثانية من الحرب من ٦ إلى ٩ أشهر.
المعضلة الأساسية التى تهدد هذا التوافق الواسع هى مسألة الرهائن الإسرائيليين والتى حتما، مع استمرار الحرب، ستدفع حكومة تل أبيب إلى التفاوض مع حماس من خلال الوسيط المصرى والقطرى وربما بتدخلات أمريكية متزايدة.
• • •
على الرغم من أن السياسة والمؤسسة العسكرية والأمنية فى إسرائيل لا تميل اليوم إلى مناقشة الأفق السياسى والدبلوماسى للأوضاع المستقبلية فى غزة والضفة، إلا أن الضغوط للدفع بهذا الاتجاه تتصاعد إن بفعل تحولات الموقف الأمريكى أو بسبب إدراك البعض داخل دوائر السياسة والأمن خطورة الاستمرار دون نهاية فى حرب ذات كلفة اقتصادية مرتفعة وتحمل إسرائيل ثمنا دوليا باهظا وقد تنفلت إقليميا وفى مواقع مختلفة وتخرج عن السيطرة.
طبيعة الحكومة القائمة فى إسرائيل ستحدد تفاصيل سياسة المرحلة القادمة تجاه غزة والأراضى الفلسطينية. الحكومة الحالية هى الأكثر يمينية فى تاريخ إسرائيل، غير أنها تمتلك فى الكنيست أغلبية مريحة. مع ذلك، فإن هذه الحكومة قد تخسر ثلث مقاعدها الحالية فى الكنيست وتخسر مقعد الحكم حال أجريت الانتخابات البرلمانية الآن. وبالنظر إلى الغضب الشعبى بسبب إخفاق الحكومة فى منع هجمات ٧ أكتوبر وقبلها بسبب الصراع السياسى الداخلى حول الإصلاح القضائى (والذى أسقطت شقه الأهم المحكمة الدستورية قبل أيام قليلة)، فإن المرجح أن تشهد إسرائيل تظاهرات كبيرة فى الفترة القادمة، ومعها سترتفع احتمالية إجراء انتخابات برلمانية مبكرة خلال ٦ إلى ٩ أشهر من الآن.
• • •
تحولات السياسة الأمريكية ستؤثر بقوة فى مستقبل الحكم فى إسرائيل. صارت الولايات المتحدة فى عام الانتخابات ٢٠٢٤، والسباق الرئاسى سيكون، وفقا لحسابات اللحظة الراهنة، بين جو بايدن ودونالد ترامب. وإذا كان عام الانتخابات سيخصم من الاهتمام الأمريكى العام بالقضايا الخارجية، إلا أن أوكرانيا وإسرائيل أصبحتا فى صلب الصراع السياسى الداخلى.
تتعرض إدارة بايدن لضغوط من الحزب الديمقراطى لتطوير موقفها باتجاه إنهاء الحرب فى غزة والضغط من أجل فتح أفق للتسوية السياسية بين إسرائيل وفلسطين على أساس حل الدولتين. لم تعد الضغوط قادمة فقط من الجناح اليسارى داخل الحزب، بل تتبلور ضغوط من قبل قيادات ديمقراطية مؤثرة فى مجلس الشيوخ وفى مجلس النواب تدفع لمناقشة وضع شروط على الدعم العسكرى والمالى المقدم لإسرائيل (مقترح بيرنى ساندرز مؤخرا)، وتدفع أيضا لوضع مشروطية تربط بين الموافقة على الصفقة الثلاثية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية (أى الموافقة على الشق الأمريكى من الصفقة، وبه اتفاق أمنى شامل مع السعودية يصدر كقانون عن الكونجرس على غرار الاتفاق الأمنى بين الولايات المتحدة واليابان) وبين خطة زمنية محددة لقيام الدولة الفلسطينية (هناك مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ يبدو أنها تقترب من ٢٠ عضوا سترفض الصفقة حال غياب خطة الدولة الفلسطينية).
تضغط إدارة بايدن لذلك ــ أيضا لأن الحلفاء الأوروبيين ومصر والأردن ودول الخليج يطالبونها بذلك ــ على حكومة نتنياهو لوقف الحرب دون الإعلان عن انتهائها، وللالتزام بالمقترحات الأمريكية بشأن اليوم التالى. غير أن حكومة نتنياهو ترفض مجاراة واشنطن فى هذا الصدد.
• • •
تعمل الولايات المتحدة على احتواء خطر التمدد الإقليمى للحرب فى غزة، وفى نفس الوقت احتواء التهديدات المتصاعدة ضد قواتها فى الشرق الأوسط (العراق وسوريا) وضد مصالحها ومصالح الحلفاء الغربيين خاصة تلك المرتبطة بما يحدث فى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر. تقديرات المؤسسة العسكرية الأمريكية هى أن القدرات الأمريكية تتعرض لاستنزاف كبير فى الشرق الأوسط بسبب الهجمات المتبادلة مع ميليشيات إيران فى المنطقة وبسبب قيادة الولايات المتحدة لكافة أعمال الأمن الإقليمى لاحتواء تهديدات وكلاء إيران.
تقديرات المؤسسة العسكرية الأمريكية هى أن هذا الاستنزاف يرفع من التهديدات الواردة على المصالح الأمريكية فى مناطق أخرى كما فى المحيط الهادى حيث التنافس العسكرى والاستراتيجى مع الصين، وحيث مسألة تايوان المؤرقة لواشنطن. فى هذا السياق، ثمة إشارات إلى توترات فى العلاقات الأمريكية ــ الصينية بسبب ما يحدث فى البحر الأحمر حيث ترفض الصين الضغط الجاد على إيران ووكلائها لوقف تهديدات الملاحة الدولية، وتكتفى بتأمين عبور سفنها هى التى لا يتعرض لها أحد. ترفض الصين الضغط على إيران على الرغم من كونها الحليف الاستراتيجى الأهم لإيران التى سينهار اقتصادها دون دعم الصين. لذلك، تتواتر الأحاديث عن أن واشنطن سئمت اعتماد بكين عليها لتأمين خطوط التجارة والملاحة الدولية التى تعتمد عليها الصين لإدارة اقتصادها (وهو فى أزمة حاليا) استيرادا وتصديرا، وعن أن واشنطن لن ينبغى أن تستمر فى تحمل الفاتورة بمفردها. مازالت التوترات الأمريكية ــ الصينية مكتومة، غير أنها مرشحة للخروج إلى العلن مع أى تصعيد شرق أوسطى قائم أو أى تصعيد قادم فى المحيط الهادى إن بشأن تايوان أو قضايا أخرى.
وتغير احتمالية فوز ترامب فى الانتخابات القادمة، نوفمبر ٢٠٢٤، من هذه المعادلات، بحيث تتراجع الضغوط الأمريكية على إسرائيل، وترتفع أسهم بقاء اليمين حاكما فى تل أبيب، وتتراجع فرص إطلاق مفاوضات للتسوية السياسية على أساس حل الدولتين فى مقابل تصاعد الضغط الأمريكى لاستئناف مفاوضات التطبيع بين إسرائيل والسعودية.