خبايا صفقة الغاز المشئومة لإسرائيل
إبراهيم يسري
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 مارس 2010 - 10:07 م
بتوقيت القاهرة
أنهى حكم المحكمة الإدارية العليا يوم 27 فبراير 2010 المرحلة الأولى الطويلة والشاقة فى محاولتنا لسبر غور الظروف والملابسات، التى أحاطت بها، والتى وضعتها فوق الدستور القوانين واللوائح، بل وصل بأصحاب الصفقة الأمر إلى حجب كل تفاصيل الصفقة عن مجلس الشعب، الذى يستوجب الدستور موافقة مجلس الشعب عليها ومنع المجلس بقوة لوبى الغاز الجبارة من النظر فى الصفقة.
وقد عانينا كثيرا من محاولات لوبى الغاز الضغط علينا، ووصل الأمر إلى توجيه تهم جنائية لنا لأنهم قد استقروا على أن لهم القدح الأعلى وليس هناك من يستطيع سؤالهم عن ثروة الشعب وعن أرباحهم المليونية وعن إهداء الشركة الوسيطة لمستثمرين إسرائيليين حيث لا نملك من أسهمها إلا 10% فقط.
وقد يعجب القارئ إذا قلنا إنه خلال عامين من نظر القضاء لهذه الصفقة لم تقدم الحكومة بيانا واحدا للمحكمة عن نص العقود، التى تمت بها ولا الأسعار التى اتفق عليها ولا التعديلات التى زعمت أنها حصلت عليها بالنسبة لسعر التصدير، واكتفت الحكومة بعزف نغمتين ممجوجتين بالاختفاء وراء نظرية إعمال السيادة ثم استخدام فزاعة اتفاقية السلام. وقد تصدينا لكلتا الحجتين بعرض عشرات الأحكام القضائية واستعراض الآراء الفقهية، التى يستفاد منها أن بيع سلعة للخارج سواء كانت بترول أو ثوم أو بصل لا يمكن أن يعد من أعمال السيادة وإلا أصبحت أعمال الوزراء كلها سيادية وأضحى الشعب عبدا للحكومة لا سيدا لها كما ينص الدستور.
ولابد أن نقر بداية أن الحكم النهائى هو عنوان، الحقيقة ولا يجوز المساس به، وعليه فإننا نحترم الحكم الذى وازن بين أمرين، فقد استجاب لمطلب لوبى الغاز فى أن مبدأ التصدير عمل من أعمال السيادة وهذا النهج كان صادما لنا ولكننا نذعن لما رسمه الحكم، ومن ناحية أخرى فقد اعتبر الحكم الأعمال التنفيذية للقرار السيادي خاضعة لرقابة القضاء، ومن هنا حكم بوقف قرار وزير البترول الذى رسم تفاصيل الصفقة وأسعارها ومدتها وكمياتها كالتزام لا فكاكا منه ولا رجوع عنه مدة 15 عاما قابلة للتجديد، وانتقد الحكم تحديد سقف أعلى للأسعار على أساس سعر برميل البرنت 35 دولارا، كما أوجب الحكم مراعاة سد حاجة الاستخدام الداخلي قبل التصدير للخارج.
وبذلك يكون الحكم قد استجاب لطلبي الذي أقمت عليه الدعوى وهو تدنى الأسعار ووجوب تفضيل الاحتياجات الداخلية للطاقة قبل التصدير، وفى ذلك استجابة ضمنية لما قدمناه من تقارير ووثائق تثبت أن احتياطي الغاز لدينا لا يسمح لنا بتصديره وكانت الحكومة قد رفضت ذلك فوصل تقديرها إلى أن الاحتياطي يبلغ 103 تريليونات قدم مكعب وأنه يكفينا مائة عام، ثم فوجئنا بأن الحكومة تدرس استيراد الغاز من الخارج بما يؤكد أن التصدير قد أهدر احتياطي الغاز المصري.
والغريب أن الصحف القومية والمستقلة قد عنونت خبر الحكم على أنه يسمح باستمرار تنفيذ الصفقة الظالمة مع تعديل أسعارها، وهذا ما ردده مندوبو الحكومة زاعمين أن الحكم قد انتصر لوجهة نظرهم، فى حين أن القراءة الصحيحة للحكم تستلزم إلغاء الصفقة المشئومة مع سد حاجة الاستهلاك المحلى ثم التفاوض على صفقة جديدة بالأسعار العالمية. وحتى الآن لا ندرى إذا كانت الحكومة تنتوى تنفيذ الحكم من عدمه فسجلها حافل بتجاهل أحكام القضاء، كذلك نترقب طريقة تنفيذ الحكم وهل التزم بالشروط التى، وضعتها المحكمة وسنلاحق ذلك قضائيا وإعلاميا لكى يعرف كل من شاهد معاناة الفقراء من الارتفاع الجنونى لأنابيب البوتاجاز وكل من طالب بغاز لمصنعه فأنكرت عليه الحكومة ذلك لتصدره بتراب الفلوس بدلا من أن تعم به الإنتاج والتنمية.
وما زال فى الأمر جوانب يسودها الغموض وبعيدة عن الشفافية، فلا نجد حتى الآن مبررا لدفع جزية للسلطان نتنياهو بعد أن حجبناها عن السلطان العثمانى ولا ندرى لماذا نمنح إسرائيل معونة تفوق المعونة الأمريكية، ولا نعرف كيف نفسر تصريح مسئول كبير بأن على من يعارض تصدير الغاز لإسرائيل أن يشتبك فى حرب معها، السؤال الذى لا نستطيع أن نجد له إجابة هو هل نصدر الغاز تخت ضغط لوبى الغاز الذى يحقق أرباحا خيالية من إقحام نفسه وسيطا فى الصفقة، أم هل هذا أمر تفرضه علينا توازنات الحرب بيننا وبين إسرائيل؟