فى العلاقات الأوروبية الإسرائيلية.. بيانات وأفعال

السيد أمين شلبي
السيد أمين شلبي

آخر تحديث: الثلاثاء 2 مارس 2010 - 9:40 ص بتوقيت القاهرة

فى مقالة «لكى لا نلقى لإسرائيل بطوق النجاة» (والتى نشرت فى الشروق 20 فبراير 2010)، كتب السفير إيهاب وهبة راصدا عددا من الأزمات بين إسرائيل ودول أوروبية، آخرها اكتشاف جوازات السفر الأوروبية المزورة التى استخدمت فى اغتيال قيادى حماس المبحوح، والتى أثبتت شرطة دبى تورط الموساد فيها بنسبة 90% إن لم تكن بنسبة 100%. وقد استخلص السفير إيهاب وهبة من هذه الأزمات «أن الأرض تميد من تحت أقدام إسرائيل».

الواقع أن متابعة العلاقات بين الدول الأوروبية، ممثلة فى الاتحاد الأوروبى وإسرائيل إنما تجرى على مستويين. المستوى الأول، هو مستوى القرارات والبيانات التى تصدر عن الاتحاد ومؤسساته، أما المستوى الآخر هو مستوى العلاقات الثنائية بين إسرائيل ودول أوروبية وفى مجالات أساسية.

كان آخر مظاهر المستوى الأول قرار المجلس الأوروبى European Council فى 15 يونيو 2009 خلال اجتماعه فى لوكسمبورج، حيث تبنى مبادئ أوباما ورحب بالتزام الولايات المتحدة بالمتابعة القوية لحل الدولتين. كذلك عبر الاتحاد الأوروبى عن استعداده للمساهمة فى حل قضايا ما بعد الصراع وعن قلقه العميق من النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية وهدم المنازل، وحث الحكومة الإسرائيلية لكى تنهى فورا النشاطات الاستيطانية بما فيها القدس الشرقية.

أما المستوى الآخر، وهو العلاقات الثنائية، فسوف يبدو فى الممارسات والالتزامات العملية بين دول أوروبية، وخاصة الدول الكبرى فيها مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، فى دعم علاقاتها مع إسرائيل وفى قضايا أساسية مثل التسلح هذا فضلا عن التأييد الدبلوماسى فى مجلس الأمن والأمم المتحدة.

فى الأسابيع الأخيرة فقط أجرت إسرائيل زيارات على أعلى مستوى مع كل من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا. فقد زار بنيامين نتنياهو برلين فى الثامن عشر من يناير 2010، وفى رفقته عدد كبير من وزراء حكومته من بينهم وزير الدفاع أيهود باراك، وأفيجدور ليبرمان وزير الخارجية، وعقد اجتماعا وصف بأنه «اجتماع تاريخى» مع مجلس الوزراء الألمانى برئاسة أنجيلا ميركل، وهو حدث لا يحدث فى السياسة الألمانية إلا نادرا.. ومع دول كبرى مثل فرنسا وروسيا. خلال هذه الزيارة، وتعليقا على أسئلة الصحفيين عن قضية المستوطنات قللت ميركل من أهمية هذه القضية، الأمر الذى أثار حتى عددا من البرلمانيين الألمان واعتبروه خروجا عن أحد أساسيات السياسة الألمانية تجاه الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. غير أن من أهم ما تضمنته الزيارة هو التفاوض حول تزويد ألمانيا إسرائيل بعدد 5 غواصات من طراز «دولفين»، وهى الغواصات التى يمكن أن تحمل رءوسا نووية. (كانت إسرائيل قد حصلت من قبل على 3 غواصات من هذا الطراز)
أما النموذج الأوروبى الآخر فهو الزيارة التى قام بها رئيس الوزراء الايطالى بيرلسكونى فى 2 فبراير 2010، والمشاعر الحارة التى صاحبت تلك الزيارة والتى وصلت إلى درجة أن بيرلسكونى بكى وقال انه «إسرائيلى»، وإن كان قد قال ــ على استحياء ــ بأن بناء المستوطنات عمل خطأ.

أما النموذج الثالث فهو يقع مع دولة أوروبية تعبر عن اهتمامها وقلقها من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وهى فرنسا. فوفقا لصحيفة «يديعوت أحرنوت» فى 18 فبراير، فقد اتفق رئيسا الأركان الفرنسى والإسرائيلى على إجراء تدريبات مشتركة على أرض البلدين ، ووصفت أوساط عسكرية إسرائيلية هذا الاتفاق بأنه «نقلة نوعية» فى العلاقات بين فرنسا وإسرائيل التى توطدت فى عهد الرئيس الحالى ساركوزى والتى ارتفعت إلى درجة «الحوار الاستراتيجى» بين البلدين.
وفى الأزمة الأخيرة حول اغتيال قيادى حماس المبحوح، وشأنها شأن حوادث مماثلة والتى ثبت تورط الموساد فيها، وأعربت فيها بعض الدول الأوروبية عن «احتجاجها» على استخدام جوازات سفر أوروبية مع إغفال اسم إسرائيل. تدرك إسرائيل أن الدول الأوروبية «المحتجة» سوف تبتلع هذا الحادث، وهو ما جعل نائب وزير خارجية إسرائيل لا يتوقع حدوث أى أزمة فى علاقات إسرائيل مع هذه الدول، وإن بريطانيا وفرنسا وألمانيا تشاطر إسرائيل المصلحة فى الحرب ضد الإرهاب العالمى.. واستخلص أنه لن تكون هناك أزمة بل ستزداد العلاقات توثقا. فإذا أضفنا إلى هذا تطوير حلف الناتو لعلاقاته مع إسرائيل بشكل ومستوى يكاد يجعل من إسرائيل عضوا كاملا فى الحلف. وهى العلاقة التى وصلت إلى اتفاق إسرائيل والناتو على خطة طويلة الأجل للتعاون فى 27 موقعا حول العالم، وبهذا أصبحت إسرائيل أول دولة غير أوروبية والدولة الأولى فى الشرق الأوسط التى تتعاون مع الناتو على هذا المستوى الحاسم.

ولعل هذا المستوى من العلاقات الثنائية بين دول أوروبية كبيرة وحول قضايا رئيسية يفسر تعليق المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية على قرارات المجلس الأوروبى ومجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى بأنها «قرارات جديدة سوف توضع على الرف».

هكذا فإن القرارات والبيانات التى تصدر عن الاتحاد الأوروبى تفقد قيمتها بالنسبة لإسرائيل ولا تلتفت إليها أمام حرص دول رئيسية فى الاتحاد على دعم علاقاتها الثنائية وفى مجالات حاسمة مثل التسلح والاستعدادات العسكرية. يحدث هذا فى وقت يعترف فيه خبراء ومحللون أمريكيون وأوروبيون أن المستوطنات الإسرائيلية، والتى تمثل قضية حاسمة بالنسبة لأى عملية سلام أو مستقبل لدولة فلسطينية، قد بلغت حدا لا يمكن وقفة دون ضغوط فعالة من قوى خارجية.  

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved