دروس من روماريو وسلطان
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الأحد 2 مارس 2014 - 8:05 ص
بتوقيت القاهرة
قام الأسد روماريو بالهجوم على مدربه مدحت كوتة بعد أن أصابته الغيرة من الأسد الروسى الأبيض.. وحينما وقع كوتة على الأرض نسيت الأسود كل ألفتها ومودتها معه.. وعادت إلى طبيعتها فى الافتراس الجماعى فأخذت تنهش فى جسده.. ولولا التدخل السريع لعصام الحلو بطلقات الخرطوش وغيرها لما عادت الأسود إلى شخصيتها السيركية الودودة تاركة كوتة بين الحياة والموت.
ولكن الأسد روماريو أدركه الندم ولزمته مشاعر التوبة وأصابه الاكتئاب لغدره بسيده فامتنع عن الطعام تماما.
لقد ذكرنى هذا الموقف بقصة الأسد سلطان مع مدربه محمد الحلو.. فقد اغتاظ سلطان من الحلو من عدة مواقف مع غيرته على زوجته من أحد النمور المشاركة فى السيرك.. فاستغل استدارة الحلو عنه لينشب أظافره وأسنانه فى ظهر الحلو ليسقط على الأرض.. وهذا يعد فى عالم الأسود إشارة للهزيمة.. إذ إنها مغرية جدا للأسود التى تقفز على الفريسة تمزقها وتنهشها حتى تجهز عليها.. وقد باءت محاولات العاملين فى السيرك يومها لإنقاذه.. وقد أوصى الحلو قبل موته بعدم قتل «سلطان».. إنه يحبه ويرحمه رغم غدره.. ولا يرد له الإساءة بمثلها.. إنه يصفح الصفح الجميل عن قاتله.
ولكن الأسد ما لبث يفكر فى جريمته النكراء وغدره بسيده.. وتطاوله على مقام مربيه.. وتنكره لفضل من رباه منذ صغره.. فانطوى على نفسه باكيا حزينا مكتئبا وممتنعا عن الطعام.
حاولوا إطعامه بكل السبل دون جدوى.. جاءوا إليه بأنثى جميلة لتسرى عنه وتخفف ألمه فضربها ضربا مبرحا وطردها شر طردة.
انتابته حالة غريبة فإذا به يعض جسده.. ويهوى على ذيله يقضمه بأسنانه حتى شطره نصفين.. ثم يعض ذراعه التى ضرب بها مولاه وسيده واغتاله بها وراح يأكل منها حتى نزفت نزفا شديدا ومات.. وكأنه يقدم صك توبته وندمه بين يدى مولاه وأسرته.. وكأنه ينادى على الدنيا كلها «انظروا يا قوم ها آنذا أتوب وأندم وآكل يدى الآثمة ليرضى عنى سيدى.. ويغفر لى خطيئتى.. ويقبل منى اعتذارى».. ما أعظم دموع التائبين.. إنها أقرب إلى الله من إعجاب الطائعين بأنفسهم وطاعاتهم.
فالأسد ملك كريم من ملوك الغابة يدرك فضيلة الوفاء ومغبة الغدر الذى قد يلحق بالنفوس فى لحظة جموح وعصيان قد يلم بالنفس فى لحظة ضعف أو غيرة أو حقد.
ويدرك كذلك أنه لابد لكل ذنب من توبة وأوبة ورجوع.. وإن اليد الآثمة لا علاج لها إلا البتر وأن «النفس بالنفس والعين بالعين».. وأنه حتى وإن عفا عنه سيده «الحلو» إلا أنه لا حياة له بدون سيده ومولاه.. وكيف يأنس بالعيش دون معلمه ومولاه الذى أعطاه ورباه دون منَّ ولا أذى.
إن أمثالنا لا يملكون سوى الانحناء احتراما لهذا الحب والود والوفاء المتبادل بين «الحلو وسلطان».
إن الإنسان لابد أن يتعلم شيئا من عالم الحيوان.. فالذين أوقدوا الحرب العالمية الأولى والثانية وتسببوا فى قتل قرابة 20 مليونا لم يشعروا بالذنب والذين غزوا العراق ودمروه وتسببوا فى قتل أكثر من مليون عراقى وتهجير 4 ملايين لم يبدوا ندما.. والذين يتقاتلون أو يفجر بعضهم بعضا من أجل كراسٍ تافهة وسلطة زائلة لم نر منهم ندما ولا ألما.
إن القطة إذا سرقت قطعة لحم من مائدة سيدها ترى فى عينيها إحساس الخطيئة.. فإذا لمحها سيدها تراجعت فورا عن خطيئتها.. فإذا ضربها صاحبها على رأسها طأطأتها فى خجل واعتراف بالذنب.
أما من يقتلون أو يسرقون أو ينهبون أو يرتشون جهارا نهارا .. فعليهم أن يتعلموا من هذه القطة الصغيرة أشياء كثيرة قبل أن يفوزوا بـ«لقب إنسان».