قـوة الناس وقوة الدولة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 مارس 2021 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
أبرز ما يميز الناس فى المجتمع المصرى عزوفهم عن السياسة بمعناها التقليدى، وانصرافهم عن السياسة بمعناها الاحتجاجى، وانخراطهم فى السياسة بمعناها الاقتصادى والاجتماعى. فقد ادارت الناس ظهرها للأحزاب وحكاياتها، ولم تعد تلتفت إلى حديث الاحتجاج والتظاهر، وأصبحت أكثر انشغالا بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية. وتبرز قوتها فى ارتفاع صوتها تجاه السياسات والقرارات والقوانين التى لا تراعى ظروفها، حتى وان اقتنعت بأهدافها. ما حدث فى تعديل مواد قانون الشهر العقارى خير مثال على ذلك. ومن اللافت، أن أصوات الناس عندما تكون عاقلة، ومتوازنة، وواقعية تجد استجابة من القيادة السياسية لادراكها بأن الناس أصحاب مصلحة حقيقية فى بناء الوطن، ومساندتهم للمشروع القومى فى التنمية وتغيير المجتمع إلى الأفضل ضرورة ملحة. المواطن يجد الحكم الذى يقدر همومه، والدولة بأجهزتها تستند إلى تأييد المواطن، وتحمله للقرارات الصعبة. واستماع الحكم للناس أحد مظاهر قوته. هذا ما نقصده بالدولة القوية. أما قوة الناس فهى تظهر فى إدراكهم بمصالحهم، وتعبيرهم عنها باتزان ووعى، وهو ما يجعل من الصعب تجاوزهم. «قوة الناس» التعبير الحقيقى عن قوة الدولة، لأن الدول تتداعى داخليا، قبل أن تنهزم خارجيا، وهو ما يعنى أن التوافق العام على السياسات الاقتصادية والاجتماعية بات مسألة جوهرية فى مجتمع اليوم، التى تحيط به الأزمات من كل جانب.
ومصطلح «قوة الناس» هو أحد المصطلحات التى راجت فجأة فى حقل العلوم السياسية. وطٌرح المصطلح على عدة أوجه، ربما أبرزها الاحتجاجات السلمية لقطاعات واسعة من المواطنين لتغيير أنظمة الحكم، وارتبط ذلك بكتابات وأحاديث الأكاديمى الأمريكى «جين شارب»، وعرفته العديد من الدول كما حدث فى أوروبا الشرقية أو الثورات الملونة، وهبت رياحه فيما عرف بالربيع العربى. ولكن مصطلح «قوة الناس» ليس فقط بهذا المعنى، بل إن المعنى الأساسى له أن الناس هم أساس التنمية وغايتها. وهو ما ذكره عالم آخر قضى حياته فى دراسة التنمية اسمه «روبرت تشامبرز»، يعرفه دارسو التنمية بالتأكيد، ولكن لا يعرفه نشطاء السياسة لأنه ليس صاحب نظرية سياسية فى التغيير، ويقدم ــ بدلا منها ــ نظرية اجتماعية تنموية فى تغيير المجتمع، وهو الأهم، والأكثر استدامة. فقد تحول الربيع العربى إلى شتاء عربى، وكثير من دول الاشتراكية السابقة، ومثالها الأشهر «أوكرانيا» و«جورجيا» حدثت بها تغييرات عميقة، وبات واضحا أن ليس مهما تغيير «شكل الحكم»، ولكن الأهم هو تعظيم قدرات المجتمع، بحيث يصبح أكثر تقدما، ورفاهية، وقدرة على توفير نوعية أفضل للحياة. هذه هى «قوة الناس»، القوة الناجمة عن التنمية، وقوة الدولة فى تحقيق التنمية. وقد خرج المواطن من خبرة السنوات الماضية ــ بموقف ممتعض من الحزبية، أو السياسة بثوبها التقليدى، وبات يبحث عن السياسة بمعنى التنمية والتغيير وتحسين مستوى المعيشة، وتطوير إمكانيات المجتمع، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وأظن أن تقييم الحكومات بات يستند على قدرتها على وضع سياسات عامة تحقق التنمية، وترفع من مستوى معيشة الناس، وتكسر حلقات الفقر والتهميش. هذا ما تشير إليه دراسات عديدة اليوم خاصة فى ظل تداعيات أزمة فيروس «كوفيدــ19».