التأييد الدولى لكييف قد يدفع بوتين إلى تصعيد المواجهة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 2 مارس 2022 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
حصلت إسرائيل على تحذير قبل أسبوعين بشأن غزو روسى قريب لأوكرانيا. وبينما شكك وزراء ومحللون وحتى أحيانا رجال استخبارات فى جدية نيات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى تنفيذ تهديداته، كان محاورونا الأمريكيون متأكدين. وفى لقاءات مع نظرائهم فى إسرائيل وفى مكتب رئيس الحكومة وفى مجلس الأمن القومى، لم يكن لدى الولايات المتحدة أدنى شك من أن التصعيد سينتهى بغزو.
الإدارة الأمريكية التى على ما يبدو استندت إلى معلومات موثوقة كانت واثقة من استنتاجاتها. وقد قيل كلام مشابه بالتدريج أيضا فى التصريحات العلنية للرئيس جو بادين. وأعدت أذرع الاستخبارات الأمريكية قائمة بالمؤشرات التى أكدت الغزو. فى 12 فبراير الماضى بدأ تحضير الخطط فى إسرائيل التى جرى بواسطتها فى الأسبوعين الأخيرين إجلاء آلاف المواطنات والمواطنين الإسرائيليين من أوكرانيا. وأولئك الذى لم ينجحوا فى الخروج فى الوقت الملائم أو تجاهلوا تحذيرات وزارة الخارجية يقفون اليوم بالقرب من الحدود مع بولندا طالبين إنقاذهم.
فى كل ما يتعلق بالحرب بحد ذاتها، تواصل إسرائيل التمسك بسياسة السير بين النقط. فرئيس الحكومة تحدث قبل أيام هاتفيا مع الرئيس بوتين، ولم يكشف مكتبه تفاصيل مضمون الحديث. وقبل ذلك فى نهاية الأسبوع الماضى تحدث رئيس الحكومة مع الرئيس الأوكرانى زيلينسكى. كما أعلنت إسرائيل إرسال مساعدة إنسانية إلى أوكرانيا، بينما أصدر وزير الخارجية يائير لبيد بيانا فى الأسبوع الماضى دان فيه الخطوات الروسية، وهو ما تسبب بتوبيخ السفير الإسرائيلى فى موسكو. لكن هذا كل شىء حتى الآن. وبالمقارنة مع أوروبا تنتهج إسرائيل خطا متحفظا للغاية.
تدّعى أوساط بينت أن واشنطن تدرك تماما القيود الإسرائيلية، وعلى رأسها الوجود الجوى الروسى فى سوريا، لذا لا يوجد اليوم أى ضغط على إسرائيل من جهة إدارة بايدن لإعطاء تصريحات أو القيام بأعمال أكثر تشددا. لكن إلى جانب الواقع الاستراتيجى والاعتبارات السياسية، فإن المطروح أيضًا مسألة أخلاقية. إن المراوغة الإسرائيلية فى مواجهة الغزو الروسى العنيف على أراضى دولة لم تقف موقفا عدائيا مهما ضد روسيا ليست مدعاة للفخر.
على الأقل بينت يتطرق إلى الحدث، بعكس من سبقه نتنياهو الذى التزم الصمت قبل أيام. الشخص الذى رفع يافطات ضخمة عليها صورته مع بوتين ومكتوب تحتها «صداقة مختلفة» قبل عامين فقط يلتزم الصمت هذه المرة. ويتأرجح أنصاره فى وسائل التواصل الاجتماعى بين تصريحات مؤيدة للديكتاتور الروسى وبين الحنين إلى والد الأمة الذى كان وحده فقط قادرا على إحلال السلام بين أصدقائنا فى أوروبا الشرقية.
• • •
ردة الفعل السائدة على المستوى السياسى وفى المؤسسة الأمنية فى إسرائيل فيما يتعلق بتطور المعارك على الأرض الأوكرانية تشير إلى أنه «لا يزال من السابق لأوانه» معرفة ما يجرى. فالحرب لا تزال فى أيامها الأولى. ومع ذلك فوجئ الجيش الإسرائيلى من النتائج المحدودة التى حققتها روسيا حتى الآن على مستويين من المفترض أن يكونا فى رأس اهتمامهم: تحقيق تفوق جوى مباشر، واستخدام معركة معقدة من الحرب النفسية والإعلامية.
فى الأيام الأولى برز الاستخدام الأوكرانى لمنظومات المضادات الجوية. بينما تمكن الرئيس الأوكرانى البارع جدا فى الساحة الإعلامية من الاحتفاظ بقنوات بث مفتوحة والحصول على تأييد دولى واسع النطاق. المسألة الثانية قد لا تشكل إنجازا مهما بالنظر إلى صورة الخصم، وباستثناء رئيس سوريا بشار الأسد وبعض بقايا الحزب الشيوعى فى إسرائيل، لم يحظ بوتين بمظاهر التأييد.
وتتحدث وزارة الخارجية البريطانية، المراقب الحذر والدقيق، مؤخرا عن صعوبات روسية فى التقدم فى أراضى أوكرانيا وعن مشكلات فى المنظومة اللوجستية، التى يقال دائما أن نجاحها هو الذى يتيح الانتصار فى الحروب. التردد الروسى على الأرض، إذا كان فعلا يحدث، يثير الاستغراب فى إسرائيل. ففى السنوات الأخيرة تحدث ضباط فى الجيش الإسرائيلى بإعجاب مبالغ فيه عن الاختراعات المهنية التى حملها الروس معهم إلى ساحة المعركة الحديثة.
أهمية هذه الاختراعات محفوظة، لكن يبدو عند خوض حرب كهذه ثمة حاجة أيضا إلى إعداد القوات والتأكد من أن لديهم الحافز للقتال ويعرفون ماذا يفعلون هناك. أحد الأسرى الروس الذين ظهروا فى فيديوهات عرضها الأوكرانيون على الإنترنت قال إنه كان يعتقد أنه يشارك فى تدريب ولم يعرف أبدا أن ما يجرى هو غزو حقيقى.
لكن من السابق لأوانه نعى القوة العسكرية الروسية. فى ساحة القتال يسود ضباب المعركة وهناك الكثير من المعلومات المغلوطة عن قصد. حتى الآن الروس موجودون فقط عند أبواب المدن الكبرى فى شمال أوكرانيا، وتشهد الشوارع قتالا تظهر فيه قوات كوماندوس روسية إلى جانب آليات مدرعة قليلة جدا.
القتال فى أماكن مأهولة يمكن أن يستمر أشهرا طويلة كما يعرف ذلك الجيش العراقى الذى استنجد بقوات غربية فى القتال ضد داعش فى مدينة الموصل فقط قبل سنوات معدودة. وثمة احتمال معقول أن يقرر بوتين فى ضوء المقاومة على الأرض والتأييد الدولى الواسع لأوكرانيا أن يزيد من القوة التى تستخدمها روسيا بهدف كسر روح المقاومة المحلية. وهذا يمكن أن يؤدى إلى سفك كبير للدماء من الطرفين. وستكون المواجهة وحشية وفتاكة ويمكن أن تتطور لاحقا إلى حرب عصابات داخل المدن، وتنزلق إلى حرب استنزاف.
• • •
نقطة أخيرة فى الختام: المقارنة التى نسمعها فى الأيام الأخيرة بين الغزو الروسى لأوكرانيا وبين الحروب الأخيرة التى خاضتها إسرائيل فى لبنان وفى قطاع غزة لا أساس لها من الصحة وغبية. أولا، الغزو الروسى لم يسبقه إطلاق صواريخ من أوكرانيا فى اتجاه السكان المدنيين. ثانيا، ليس هناك أى شبه بين خطورة العنف الذى استخدمته إسرائيل فى حروبها وحتى إلحاق الأذى بالمدنيين والمدنيات وبين القوة الوحشية التى تستخدمها روسيا. من يشكك بذلك هو مدعو إلى مراجعة التقارير والتحقيقات الصحافية بشأن الدمار الذى تركته القوات الجوية لبوتين فى قصفها المدمر خلال الحرب الأهلية فى سورية.
عاموس هرئيل
محلل عسكري
هآارتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية