نسير نياما نحو حرب عالمية ثالثة

قضايا إستراتيجية
قضايا إستراتيجية

آخر تحديث: الخميس 2 مارس 2023 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

فى ظل احتدام الصراعات العالمية اليوم، كالحرب فى أوكرانيا وتوترات تايوان والبالون الصينى، يصبح الاستخفاف بخطر اندلاع حرب عالمية ثالثة ــ بسبب تشابك المصالح والعولمة ــ حجة ساذجة ومؤلمة. قيلت نفس الحجة فى بداية القرن العشرين مع موجة العولمة الأولى، ومع ذلك نشبت الحرب العالمية الأولى!. فى ضوء هذه الحقيقة التاريخية، نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب ستيفن رويتش، يرى فيه أن القوى الكبرى (الولايات المتحدة ــ الصين ــ روسيا) أصابها فقدان الذاكرة بالتاريخ، وتسير حاملة مواد شديدة الاشتعال تنتظر الشرارة لتتحول فى أى لحظة لحرب عالمية... نعرض من المقال ما يلى.
غاب عن كثير من المراقبين الانتباه إلى الدروس الأساسية المستفادة من الحرب العالمية الأولى. أشعل شرارة الحرب العظمى اغتيال الأرشيدوق النمساوى فرانز فرديناند فى يونيو من عام 1914، والذى حدث على خلفية الصراع الذى ظل يختمر لفترة طويلة بين القوى الكبرى فى أوروبا. واليوم بشكل خاص، يتردد صدى هذا التفاعل المتبادل بين تصعيد الصراع والشرارة السياسية.
• • •
مع احتدام الحرب الدائرة فى أوكرانيا وعقلية الحرب الباردة التى تُـمسِـك بِـخـِناق الولايات المتحدة والصين، من غير الممكن أن نغفل عن أوجه التشابه التاريخية. الواقع أن العالَـم يغلى بالصراع والسُـخط. ولا يحتاج الانفجار إلا إلى الحدث الذى سيشعل الشرارة. ومع التوترات فى تايوان، وبحر الصين الجنوبى، وأوكرانيا، لا يخلو الأمر من وفرة من الشرارات المحتملة التى تسترعى القلق.
المرشح الرئيسى هنا هو تايوان. حتى لو كنا، لا نقبل وجهة النظر الأمريكية التى تزعم أن الرئيس الصينى شى جين بينج تعمد اختصار الجدول الزمنى لإعادة التوحيد، فإن التصرفات الأخيرة من جانب الحكومة الأمريكية ربما تنتهى إلى إجباره على المسارعة إلى التحرك. فقد سافرت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسى بيلوسى إلى تايبيه فى أغسطس الماضى، ويبدو أن خليفتها كيفين مكارثى عازم على القيام بذات الشىء. ويبدو من المرجح أن ترسل اللجنة المختارة من قِـبَـل مجلس النواب بشأن الصين المنشأة حديثا بعثتها الخاصة قريبا، وخاصة بعد الزيارة الأخيرة غير المعلنة التى قام بها رئيس اللجنة مايك جالاجر.
من ناحية أخرى، لا تترك الزيارة التى انتهت للتو من قِـبَـل مسئول كبير من وزارة الدفاع الأمريكية إلى تايبيه، فى أعقاب إقرار قانون المرونة المعززة فى التعامل مع تايوان بقيمة 10 مليارات دولار فى ديسمبر، أى مجال للشك فى الدعم العسكرى الأمريكى المقدم إلى ما يسمى الإقليم الصينى المارق. بينما تراوغ الولايات المتحدة فى الدفاع عن مبدأ الصين الواحدة المنصوص عليه فى بيان شنغهاى الصادر عام 1972، لم يعد هناك أى شك بشأن الدعم السياسى الأمريكى للحفاظ على وضع تايوان المستقل. هذا خط أحمر من منظور الصين ــ ونقطة اشتعال جيوسياسية فى نظر الآخرين جميعا.
نفس القدر من القلق يثار بشأن الشرارة فى أوكرانيا. فبعد مرور عام كامل على هذا الصراع المروع الذى لم يكن من الممكن تصوره فى السابق، نشهد تحولا جديدا مشئوما فى هجوم الربيع الذى يخطط له الرئيس الروسى فلاديمير بوتن. تحذر الولايات المتحدة من تصعيد للدعم الصينى المقدم لروسيا من المساعدات غير الفتاكة (مثل شراء منتجات الطاقة الروسية) ليتحول إلى مساعدات مميتة (الأسلحة، أو الذخائر، أو القدرات اللوجستية فى ما يتصل بإمدادات الأسلحة).
يُـذَكِّـرُنا التهديد المبهم من جانب إدارة بايدن بعواقب وخيمة تتكبدها الصين إذا قدمت مساعدات مميتة لجهود الحرب الروسية بتحذيرات أمريكية مماثلة سبقت فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا. فى نظر الساسة الأمريكيين، ستكون الصين مذنبة بالمشاركة وسوف تضطر إلى دفع ثمن باهظ للغاية. وكما تمثل تايوان خطا أحمر للصين، ترى واشنطن أن ذات الشىء يمكن أن يُـقـال عن الدعم العسكرى الصينى للحملة الحربية الروسية.
• • •
هناك وفرة من الشرارات المحتملة الأخرى، وأبرزها التوترات المستمرة فى بحر الصين الجنوبى. يُـعَـد التوسع الأخير فى وصول الولايات المتحدة إلى القواعد العسكرية فى الفلبين الواقعة عند منتصف الطريق بين تايوان والجزر الصينية المعسكرة فى جزر سكاربورو وأرخبيل سبراتلى (نانشا)، مثالا واضحا على ذلك.
مع استمرار الولايات المتحدة فى فرض حرية الملاحة فى المياه الدولية فى بحر الصين الجنوبى عن طريق تسيير السفن البحرية عبرها، من الصعب أن نستبعد احتمال وقوع حادث أو مواجهة غير مقصودة. ويشير الاصطدام الذى جرى تجنبه بالكاد بين رحلة استطلاع أمريكية وطائرة حربية صينية فى أواخر ديسمبر إلى هذه المخاطر، التى أصبحت متزايدة الشدة بسبب انهيار الاتصالات العسكرية بين القوتين العظميين ــ كان ذلك شديد الوضوح أثناء نـكبة المنطاد العظمى فى وقت سابق من الشهر الماضى.
• • •
السياق هو المفتاح لتقييم احتمالية اشتعال أى شرارة. تحت الغطاء السياسى لما تصفه بأنه معركة بين الحكم المطلق والديمقراطية، من الواضح أن الولايات المتحدة كانت الطرف المعتدى فى زيادة حدة التوتر بشأن تايوان على مدار الأشهر الستة الأخيرة. على نحو مماثل، تسببت واقعة منطاد المراقبة الصينى فى دفع تهديد الحرب الباردة إلى مسافة أقرب كثيرا للوطن من منظور الجمهور الأمريكى. وقد تولى بعض كبار الدبلوماسيين على الجانبين ــ وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكين ونظيره الصينى وانج يى ــ دور مقاتلى الحرب الباردة الكلاسيكيين. الواقع أن خطابهما العدائى فى مؤتمر ميونيخ للأمن الأخير عَـكَـسَ خطابهما فى أول لقاء بينهما فى أنكوريج قبل ما يقرب من العامين.
كما كان الحال قبل الحرب العالمية الأولى، من المغرى الآن الاستخفاف بخطر اندلاع صراع كبير. فمصالح عالَـم اليوم المترابط الخاضع للعولمة التى أصبحت على المحك فى النهاية كبيرة إلى الحد الذى يجب أن يمنعه من المجازفة بإحداث انهيار زلزالى. الواقع أن هذه الحجة مألوفة بدرجة مؤلمة. فقد سيقت ذات الحجة فى أوائل القرن العشرين، عندما كانت موجة العولمة الأولى فى أوجها. بدت تلك الحجة مقنعة فى نظر كثيرين حتى يوم الثامن والعشرين من يونيو من عام 1914.
من الأهمية بمكان اليوم تحديث المقارنة التاريخية مع عام 2023 بما يعكس الاستراتيجية الكبرى لصراع الحرب الباردة. حدثت نقطة تحول حاسمة فى الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتى فى عام 1972، عندما ذهب الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون إلى الصين وانضم فى النهاية إلى ماو تسى تونج فى تنفيذ استراتيجية المثلث الناجحة ضد الاتحاد السوفييتى. اليوم، أصبحت الولايات المتحدة عند الطرف المتلقى لمثلث الحرب الباردة الجديدة، حيث انضمت الصين إلى روسيا فى شراكة «بلا حدود» تستهدف قوة الولايات المتحدة المهيمنة. يضع هذا التحول المحورى دروس 1914 تحت ضوء متزايد السطوع.
كل طرف على يقين من احتفاظه بمكانة أخلاقية عالية مع تمايل الصراع بين الجانبين من واقعة إلى أخرى. من منظور الولايات المتحدة، كان منطاد المراقبة الصينى يشكل تهديدا للسيادة الوطنية. ومن جانب الصين، يشكل دعم الولايات المتحدة لتايوان تهديدا مماثلا. ثم تُـفـضى كل نقطة من نقاط التوتر إلى سلسلة متوالية من الردود الانتقامية دون إدراك للعواقب الجانبية المترتبة على مثل هذه العلاقة شديدة التضارب.
يبدو أن ثلاث قوى عظمى (أمريكا، والصين، وروسيا) أصابتها حالة شديدة من فقدان الذاكرة التاريخية. فجميعها تسير نائمة على مسار تصعيد الصراع، حاملة وقودا سريع الاشتعال قد يتحول بسهولة بالغة إلى حريق هائل. تماما كما حدث فى عام 1914.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved