صغار الموظفين وحكم الأثرياء
بول كروجمان
آخر تحديث:
الجمعة 2 أبريل 2010 - 9:35 ص
بتوقيت القاهرة
الإصلاح الصحى هو القانون الذى يتحدث عنه الجميع. ويأتى بعده الإصلاح المالى. ولكن هل سيتحقق؟ البيت الأبيض متفائل، حيث إن هناك اعتقادا بأن الجمهوريين لا يرغبون أن يوضعوا فى مصاف حلفاء وول ستريت. ولست متأكدا من ذلك إلى حد كبير. ويتمثل السؤال الرئيسى فى كم عدد أعضاء مجلس الشيوخ الذين يؤمنون بقدرته على الإفلات بزعم أن الحرب سلام، والعبودية حرية، وبأن وضع ضوابط للبنوك الكبرى يخدمها.
خلفية قصيرة: اعتدنا أن يكون لدينا نظام ناجح للحيلولة دون وقوع الأزمات المالية يستند على الجمع بين الضمانات والضوابط الحكومية. فمن ناحية، كانت الودائع المصرفية مضمونة، وكانت تمنع تكرار التدافع لسحب الإيداعات من البنوك الكبرى الذى كان سببا فى الكساد الكبير. من ناحية أخرى، كانت البنوك منضبطة بصورة محكمة، ولذلك لم تعمل على الاستفادة من الضمانات الحكومية من خلال الإفراط فى إدارة مخاطر.
ورغم ذلك، فإنه منذ عام 1980 أو ما بعده، انهار هذا النظام تدريجيا، من ناحية بسبب تخفيف الضوابط على البنوك، ولكنه كان فى الأساس بسبب ظهور «نظام الظل المصرفى»: تلك المؤسسات والممارسات ــ مثل تمويل الاستثمارات طويلة الأجل من خلال الاقتراض لمدة ليلة واحدة ــ التى تعيد مخاطر النظام المصرفى العتيق، لكن دون تغطيتها من خلال الضمانات أو وضع ضوابط. وبحلول عام 2007، تمثلت النتيجة فى نظام مصرفى أضعف من أن يحتمل الأزمات الحادة مثله مثل النظام الذى كان قائما عام 1930. وحلت الأزمة.
ماذا نفعل الآن؟ فى الواقع، بعثنا بالفعل ضمانات على نمط «الاتفاق الجديد»: فعندما وقع النظام المالى فى الأزمة، شرعت الحكومة فى إنقاذ الشركات المتعثرة ماليا، تحاشيا للانهيار الكامل. وعلينا الانتباه إلى أن أكبر عمليات الإنقاذ تمت فى ظل إدارة جمهورية محافظة، كانت قد اعلنت عن إيمانها العميق بالأسواق الحرة. وتدعو كل الأسباب للاعتقاد بأن ذلك سوف يكون القاعدة من الآن فصاعدا: فعندما يحين وقت الحسم، بغض النظر عمن يكون فى السلطة، سوف يتم انقاذ القطاع المالى. والواقع أنه تتوافر الآن ضمانات حكومية لديون نظام الظل المصرفى، كالودائع فى البنوك التقليدية.
والتساؤل الوحيد الآن بشأن ما إذا كانت صناعة التمويل سوف تدفع ثمن هذا الامتياز أم لا، وما إذا كان وول ستريت سوف يكون ملزما بالتصرف بشكل مسئول فى مقابل دعم الحكومة أم لا. فمن الذى سوف يعارض ذلك؟
ماذا عن جون بوينر، رئيس الأقلية بمجلس النواب؟ فقد ألقى السيد بوينر مؤخرا كلمة أمام المصرفيين شجعهم فيها على عدم الإذعان لجهود الكونجرس من أجل فرض ضوابط أكثر صرامة. إذ قال: «لا تدعوا هؤلاء الموظفين الصغار الأغرار يستفيدون منكم، وهبوا من أجل الدفاع عن أنفسكم» ــ وكان يعنى بعبارة «يستفيدون» فرض بعض الشروط على الصناعة فى مقابل دعم الحكومة.
وسرعان ما أمر بارنى فرانك، رئيس لجنة مجلس النواب للخدمات المالية، بعمل أزرار تحمل عبارة «الموظفون الصغار الأغرار» ووزعها على المساعدين فى الكونجرس.
لكن ليست المشكلة فى السيد بوينر، فقد أخذ السيد فرانك بالفعل الإصلاح المالى القوى العادل على عاتقه فى مجلس النواب. وبدلا من ذلك، يتجه السؤال نحو ما سوف يحدث فى مجلس الشيوخ.
فى مجلس الشيوخ، كان القانون المعروض موضوعا من قبل السيناتور كريس دود من كونيتيكت. وكان أضعف من مشروع قانون فرانك بشكل واضح، وفى حاجة إلى أن يصاغ صياغة أقوى، وهى الفكرة التى سوف اناقشها فى هذا العمود فى وقت لاحق. ولكن لن يصبح أى مشروع قانونا إذا ما وقف أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون فى وجه الإصلاح.
لكن ألن يخشى خصوم الإصلاح أن يوضعوا فى مصاف حلفاء الأشرار (وهو ما هم عليه)؟ ربما لا. وبالعودة إلى يناير، فقد وزع فرانك لونتز، واضع الاستراتيجيات فى الحزب القديم الكبير (الحزب الجمهورى)، مذكرة حول كيفية معارضة الإصلاح المالى. وكانت فكرته الأساسية هى أن على الجمهوريين ادعاء تغير الحال ــ فمشروع قانون الإصلاح هو «مشروع قانون انقاذ البنوك الكبيرة» وليس مجموعة من القيود على البنوك.
قبل بضعة أيام زعم السيناتور ريتشارد شيلبى من ألاباما بثقة كافية، فى خطاب يهاجم مشروع قانون دود، أن الجزء الأساسى فى الإصلاح ــ وهو تشديد الرقابة على شركات التمويل الكبيرة المهمة ــ هو بالفعل بمثابة إنقاذ، لأن «السوق سوف تنظر إلى هذه الشركات على أنها أصبحت، أكبر من أن تسقط، ومدعومة ضمنا من الحكومة»، نعم أيها السيناتور، فإن السوق تنظر بالفعل إلى هذه الشركات باعتبارها تتلقى دعما حكوميا ضمنيا، ولأنها كذلك فإن ما يمكن قوله الآن من قبل أشخاص مثل السيد شيلبى هو أنه فى أى أزمة مقبلة سوف تنجو هذه الشركات، أيا ما كان الحزب الذى فى السلطة.
والسؤال الوحيد بشأن ما إذا ما كنا سنضع ضوابط للبنوك كى لا تسيء استغلال امتياز دعم الحكومة أم لا. وأن هذا التنظيم ــ وليس عمليات الإنقاذ المستقبلية ــ هو ما يحاول خصوم الإصلاح عرقلته.
وهكذا يكون الأغرار فى مواجهة الأثرياء أصحاب النفوذ ــ الذين يريدون كبح البنوك الهاربة والمصرفيين الذين يريدون حرية تعريض الاقتصاد إلى الخطر، تلك الحرية التى تتعزز من خلال معرفة أن دافعى الضرائب سوف ينقذونهم من الأزمات. ومهما يقولون، فالحقيقة هى أن الأشخاص مثل السيد شيلبى يقفون فى جانب الأثرياء أصحاب النفوذ، وينبغى على الشعب الأمريكى أن يكون فى جانب الأغرار، الذين يحاولون حماية مصالحهم.