لماذا لم يصدر قانون الحريات النقابية؟


هويدا عدلى

آخر تحديث: الخميس 3 مايو 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

عندما كان هناك قناعة أن ما يحدث فى مصر هو ثورة حقيقية، خرج للنور مشروع قانون الحريات النقابية فى أثناء تولى الدكتور أحمد البرعى وزارة القوى العاملة وهو من الشخصيات التى امنت ودافعت عن فكرة حرية التنظيم النقابى على مدار تاريخها. والحقيقة انه عندما خرج هذا المشروع للنور كانت قناعتى انه تغريد خارج السرب، وأن كل ما يحدث فى مصر منذ استفتاء 19 مارس من العام الماضى يشير إلى أن القائمين على الحكم سواء المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو السلطة التنفيذية أو التشريعية فيما بعد ليسوا مقتنعين بمثل هذه التحولات الديمقراطية سواء عبرت عن نفسها فى إصدار قانون الحريات النقابية أو تحرير العمل الاهلى أو غيره، ولكنهم يسعون إلى انتاج نفس النظام التسلطى القديم، وإن كان بلباس جديد. وأن مثل هذا القانون لن يصدر بأى حال من الأحوال. وبالفعل ذهب مشروع القانون ليسكن لدى المجلس العسكرى شهورا طويلة، وبعد تشكيل البرلمان رحل إلى هناك حتى يموت. فليس متوقعا من نظام سياسى يقوم على تحالف قوى اليمين المحافظ من العسكريين والاسلاميين أن يصدر مثل هذا القانون.

 

●●●

 

وعلى الرغم من تشاؤمى، سأعود إلى مشروع قانون الحريات النقابية مرة أخرى، فقد كان هذا المشروع هو التجلى الوحيد على أن عقولنا تغيرت وإننا على استعداد للسير فى طريق التحول الديمقراطى وذلك لسببين رئيسيين: الأول يتعلق بمضمونه والثانى يتصل بمنهجية أو طريقة صياغته. فعن المضمون، فإن هذا المشروع

 

ينطلق من معايير العمل الأساسية التى تنص عليها الاتفاقيات الدولية التى صدقت عليها الحكومة المصرية وبالتحديد اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم رقم 87 لسنة 1948 والتى تنص على حق العمال فى تكوين منظماتهم النقابية بدون تفرقة وبدون ترخيص مسبق وحظر حلها بالطرق الإدارية. وقد اخضع مشروع القانون اتحادات رجال الأعمال ونقابات العمال لنفس القانون، كما كفل عددا من الحريات مثل إطلاق حق العمال وأصحاب الأعمال فى تكوين النقابات والاتحادات والانضمام إليها والانسحاب منها دون موافقة أو إذن مسبق ولكن بالإخطار، وحقهم فى وضع لوائحهم ونظمهم الأساسية. وأعاد الاعتبار والاختصاص للنقابات القاعدية فى المنشآت، ووسع من الفئات التى لها الحق فى تكوين نقاباتهم لتضم العاملين المدنيين فى الشرطة والإنتاج الحربى وعمال الخدمة المنزلية والعاملين فى المهن الحرة، وأعاد الاختصاص فى الإدارة الكاملة للنقابة لهيئاتها الممثلة وجمعياتها العمومية. وحظر على أصحاب العمل أو ممثليهم اتخاذ اى إجراءات من شأنها تعطيل نشاط النقابات.

 

 السبب الثانى يتعلق بطريقة صياغة مشروع الحريات النقابية والتى كفلت مشاركة عمالية ونقابية واسعة النطاق فيه، ولأول مرة فى تاريخ مصر الحديث لا تصنع مسودات القوانين فى الغرف المغلقة أو الكهوف السوداء، ولكن تتم عبر مشاركة حقيقية من اصحاب المصلحة وليست مشاركة شكلية، اسفرت عن عديد من التغييرات فى مسودة القانون، وأدت إلى بناء توافق عمالى واسع حوله. وقد شاركت كل الاطراف فى مناقشة المشروع سواء كان الاتحاد العام لنقابات عمال مصر او النقابات والاتحادات المستقلة وأيضا قطاعات واسعة من القواعد العمالية.

 

●●●

 

والسؤال المطروح الآن ماذا كان سيحدث لو تم اصدار قانون الحريات النقابية؟ إن اصدار مثل هذا القانون سيؤدى إلى تحقيق نتيجتين غاية الاهمية ليس للعمال فقط ولكن لكل المجتمع المصرى. النتيجة الاولى انه كان سيحد من تصاعد الاحتجاجات العمالية الفئوية والتى يشكو منها الجميع ويشير إلى اثرها السلبى على الاقتصاد والاستثمار وغيره. والحقيقة ان هذه الظاهرة ليست جديدة ولكنها تعود إلى عام 2005 هذا العام الذى شهد تصاعد الحركة الاحتجاجية العمالية المصرية على نطاق واسع والتى توجت فى عام 2008 بنشأة اول نقابة مستقلة. فقد كان احد الاسباب الرئيسية لتصاعد الحركة الاحتجاجية عدم وجود تنظيم نقابى حقيقى قادر على القيام بدوره الطبيعى فى الدفاع عن مصالح العمال من خلال التعبير عن مطالبهم والتفاوض سواء مع الحكومة أو اصحاب الاعمال حول هذه المطالب. فوجود مثل هذا التنظيم النقابى المستقل وقيامه بدوره كان كفيلا بالحد من موجات الاحتجاج العمالية، فالعمال يلجأون للاحتجاج لأن كل السبل الأخرى غير موجودة. وربما مهما الاشارة إلى حالة لها دلالة فى هذا الشأن، ففى أثناء الازمة المالية العالمية واجهت احدى كبرى شركات انتاج الاطارات على مستوى العالم مشكلة مالية، وكان الحل الوحيد لدى ادارة الشركة هو تخفيض العمالة بنسبة معينة، وعندما استدعت التنظيمات النقابية للمناقشة فى هذه الأمر، كان الحل المطروح من النقابات هو تخفيض الأجر دون تخفيض العمالة، وبالتفاوض مع العمال تم اقناعهم بقبول هذ الحل. فالنقابات الحقيقية المعبرة عن مصالح العمال هى فى النهاية صمام أمان ايضا للدولة وللمجتمع ككل. أما النتيجة الثانية فهى تحسين سجل مصر فى احترام التزاماتها الدولية. إن عدم إصدار مثل هذا القانون يضع مصر فى وضع دولى خطير وحرج، فمنظمة العمل الدولية طالما وجهت إلى الحكومة المصرية انتقادات حادة بسبب سجلها فى انتهاك الحريات النقابية، وان استمرار مثل هذا الامر سيقود إلى وضع مصر فى القائمة السوداء للدول التى تنتهك الحريات النقابية، وان هذا سيكون له آثار غاية الخطورة على وضع مصر الاقتصادى، فتدفق الاستثمارات الاجنبية إلى كثير من دول الجنوب اصبح من شروطه احترام الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية منظمة العمل الدولية 87 لسنة 1948 الخاصة بالحريات النقابية والتى وقعت مصر عليها. خلاصة الامر أن اصدار قانون الحريات النقابية لا تقتصر فائدته على الطبقة العاملة فحسب ولكنها تمتد للاقتصاد والتنمية فى مصر ككل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved