من يتذكر الأول من مايو ـــ آيار؟
فوّاز طرابلسى
آخر تحديث:
الخميس 2 مايو 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى خضم منطقة لا تزال تغلى بالحراكات الشعبية والقتل اليومى، وبدء موسم قطاف الكيميائى، وتزحمها المناسبات والاجتماعات الإقليمية والدولية والأزمات الوزارية، ومعارك السلطات مع القضاء، واجتماعات كيرى ووفد الجامعة العربية لإحياء المبادرة العربية، ولو بقلب معادلتها، والدعوة للمرة الالف لاستئناف المفاوضات الفلسطينية، واعتراف حزب الله للمرة الاولى بأنه يخوض القتال إلى جانب النظام السورى (ماذا كان يفعل قبلا؟).. إلخ.
يحلو، مع ذلك، الاحتفال بعيد الأول من مايو ــ أيار، عيد العمال. حقيقة الأمر أن العمال ونضالهم وقضاياهم وطموحاتهم وآمالهم فى قلب الثورات. فقد انطلقت الثورات من تحركات جماهيرية احتجاجا على سياسات التقشف وإلغاء الدعم على المواد الغذائية والمحروقات أو من إضرابات واعتصامات تتعلق بالعمل والحقوق والحريات النقابية العمالية.
●●●
يبدأ المسلسل من أول تحرك فى تونس إلى الأخير فى السودان وفلسطين والأردن مرورا باليمن والمغرب والبحرين. تفجّرت الثورة المصرية بعد سلسلة من النضالات والإضرابات والاعتصامات العمالية وفى امتداد تضامن شعبى مليونى مع نضال العمال. ولعب العمال المنظمون فى «الاتحاد العام التونسى للشغل»، وفى فروعه المناطقية خصوصا، الدور الحاسم فى إطلاق وتنظيم العملية الثورية التونسية والتنسيق بين قواها ومكوناتها، ولا يزال عمال تونس يواصلون النضال، إلى جانب قطاعات واسعة من الشعب، لمنع المصادرة والردة ومن أجل اهداف الثورة.
ومع أن سوريا هى البلد الوحيد الذى لم تبدأ فيه الانتفاضات من قضية اجتماعية إلا أنه البلد حيث للثورة أعمق حاملة اجتماعية حرّكت الأطراف والأرياف، بمنتجيها من عمال زراعيين وفلاحين ومزارعين وحرفيين وبالعاطلين عن العمل والمهمشين أيضا، مثلما حركت سكان الضواحى والعشوائيات والفقراء المدينين وقطاعات واسعة من الطبقات الوسطى.
لذا فالأول من مايو ــ ايار مناسبة للتذكير ليس فقط بالحوامل الاجتماعية للثورات وبشعارها المركزى «عمل، حرية، خبز» وانما ايضا وخصوصا بقطاعات من الشعب والثورة يجرى طمس حقوقها والمصالح والتطلعات، حتى لا نقول انه يجرى تجاهل وجودها ذاته، فى خضم تلاطم الثقافويات والهويات القاتلة.
والأول من مايو ــ أيار مناسبة لتذكير الذين ينصبّون الحرية فى وجه الخبز بأنهم يتناسون أن اسرع طريق لاغتيال الحرية هو إهمال الخبز. وأن «الفقر اذا جاع بيأكل الملك»، على ما ورد فى المسرحية الرحبانية، اكان الملك من سلالة ذوى النفط والغاز او ذوى الجزمة العسكرية والمافيات والعسس.
والأول من مايو ــ أيار مناسبة لتذكير الذين يستخفون بالديمقراطية، باسم العمال والمصالح العمالية، ان الديمقراطية هى النظام السياسى الذى يتيح اقسى قدر ممكن من التعبير عن مصالح العاملين، ويشركهم فى القرار السياسى، وان الديمقراطية بدون هذه الوظيفة تفقد مبرر وجودها وتخلى المجال لشتى المغامرات الفاشية والدكتاتورية.
والأول من مايو ــ أيار مناسبة لاستحضار مصالح العاملين وتطلعاتهم والآمال عند البحث فى الحقوق والحريات الديمقراطية. فحقوق الإنسان تصير حقوقا للإنسان عندما تشمل كافة نواحى حياة الإنسان وتوفر للبشر عموما الحد الأدنى من متطلبات الحياة الحرة الكريمة. أى عندما تتحرر تلك الحقوق من الاحتكار النيوليبرالى الذى يختزلها بالحقوق والحريات الفردية والشخصية. فيجرى استكمالها وردفها بسائر الحقوق فى الماء والخبز والسكن والصحة، الوقائية والعلاجية، والبيئة النظيفة والتكافؤ فى فرص التعليم. وهذه جميعها تحط الآن العين النيوليبرالية عليها قصد تسليعها وخصخصتها وإخضاعها لمنطق الربح والملكية الفردية. ثم إن الحريات كلها تثمر وتزدها وتنمو عندما تتحرر من سطوة المال ورأس المال، وفى المقدمة منها حرية القول والتنظيم والإعلام.
●●●
والتذكير بالأول من مايو ــ أيار هو المناسبة للتعبير عن مدى حاجة القوى العاملة لمن يمثلها ليس فى مجال التنظيم المهنى والنقابى، وانما ايضا فى المجال السياسى.
والتذكير بالأول من مايو ــ أيار، وقد ارتبط تاريخيا باليسار، مناسبة لحث من يدّعون أنهم اصحاب العيد وممثلو العمال أن يتحولوا إلى ممثلين فعليين لهم. وأن يتولى هذا التمثيل يسار لا يخجل من نظرته الشاملة إلى الحياة والعالم، هو صاحب أغنى تراث فى فهم الرأسمالية وفى نقدها، يسار لا يتردد فى استخدام ادواته النظرية ــ حيث النظرية نقطة الانطلاق لا نهاية المطاف ــ من أجل انتاج معارف عن السلطة والمجتمع تلبّى الحاجة العارمة إلى التغيير السياسى والاجتماعى والاقتصادى والثقافى الجذرى الذى ابانت الثورات الحاجة اليه ودلك بالمزاوجة الخلاقة بين قيمتى الحرية والمساواة. وعلى اليسار أن يملك جدارة تمثيل أشرف الناس لأنهم الممنوعون من الصرف، بل الممتنعون من الصرف، على قواعد المنطقة والمذهب والطائفة والدين والاثنية والعشيرة والقبيلة وأضرابها جميعا.
●●●
وفى هذا الأول من مايو ــ نوار ــ كما يسمّى الشهر فى لبنان، تيمنّا بتفتّح نوارات الزهر والزرع ــ ليس أجمل ولا أجدر من أن نلقى، وأن نتبادل، التحية القرمطية الألفية: تحية العمل والأمل.
تحية العمل لأن العمل هو ما يميّز الانسان عن البهيمة، ولأنه حق لا مِنّة، ولأن العمل هو مصنع الامل.
وتحية الأمل، لأن الأمل عمل، الأمل ممارسة تحويل العمل إلى ارادة تغيير. ولأننا فى ازاء الآمال العريضة التى حملتها الثورات وما يتهددها من انتكاسات وخيبات، نجدنا «محكومين بالأمل» (سعدالله ونّوس) ومطالبين بأن «نربّى الأَمَل » ولو على مهل (محمود درويش).
سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى
ينشر بالاتفاق مع جريدة السفير اللبنانية