رسائل إلى الله


رضوى أسامة

آخر تحديث: الخميس 2 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

أخذت قلبى بشدة تلك الفتاة الصغيرة التى لم تتعد العاشرة، كان سؤالها الأول لى عن الله ولماذا يحب بعض الأطفال دون غيرهم؟ صدمنى السؤال واندهشت قليلا وظللت أفكر فى إجابة عن أسئلتها الوجودية الأولية. تلك الفتاة الصغيرة جاءت إلى العيادة تشكو من اكتئاب وبكاء مستمر، فهى مصابة بداء السكرى ومعلق إلى يمينها جهاز صغير يشبه المحمول ينظم لها إبر الأنسولين ويقيس السكر فى الدم ويمنحها جرعات تتناسب مع ما أكلته من وجبات مختلفة.

 

ظللت ألاحظ الجهاز الذى كنت أشاهده للمرة الأولى وكنت مندهشة بشدة وهى تشرح لى طريقة استخدامه ومنبهرة بجمال ألوانه وتعدد قطعه لتتناسب مع ألوان الملابس التى ترتديها الطفلة.

 

لم يكن هو السبب الذى يعيق الطفلة عن ممارسة الحياة بانطلاق يناسب عمرها، ولم يكن المرض هو الذى يخفى ضحكتها لتنسدل دموعها فى المساءات وتلونها بغيامات زرقاء، إنما تعليقات زميلاتها على الجهاز، مأساتها كانت مع فتاة بعينها نشرت شائعة فى الفصل بأن مرض السكر معدى وأن التعامل مع تلك الفتاة كارثة وبدأ يتجنبها جميع من فى الفصل ، فكلما ذهبت إلى أحدهم لتطلب شيئا نسيته كممحاة مثلا رفض الطفل وقال إنه يخشى أن تلوث أدواته ويصاب بالمرض مثلها ويضطر إلى حمل جهاز كجهازها.

 

تحول الجهاز المبهر الذى أحببته بشدة فى البداية إلى جهاز سخيف يحمل لها الوصم والتمييز. حكت لى الأم كذلك أنها فى تلك الليلة ظلت «متكورة» تحت الملاءة تبكى لساعات طويلة ولم تذكر فى البداية ما حدث لها ، إلا عندما ألحت الأم عليها بشدة.

 

ومن هنا بدأت أسئلتها حول الله: لماذا لا يحبنى الله كما يحب صديقتى ويجعل الآخرين يصدقون كلامها ويعاملونى بهذه الطريقة؟ لماذا تحبها الُمدرسة ولم تعاقبها على ما فعلته بى؟ لماذا اكتفت الزميلة بادعاء البراءة ونظرات الاعتذار وتغاضى الجميع عن نظرات الغيظ التى كنت أراها فى عينيها؟

 

الفتاة أثارت تعاطفى بشدة وتعاطفت أيضا مع بكاء الأم وهى تحكى لى عن مأساة طفلتها الجميلة التى لا تملك إلا أن تحبها من النظرة الأولى. ونصحنى زميل تحدثت معه عن الحالة بأن أجعلها تشاهد فيديوهات لأطفال أمريكان استخدموا الجهاز الخاص بمرض السكرى و هم يحكون عن تجربتهم وطريقة استخدامه. لكن لم أكن أرى أن المشكلة تكمن فى حبها للجهاز أو كرهها له ، رأيت الفرحة فى عينيها وهى تعلمنى كيفية استخدامه وترد بصبر على جميع أسئلتى الساذجة بشأنه وبشأن مرض السكرى.

 

رغم عمرها الصغير كان لديها براعة حقيقية فى الشرح، ولديها ابتسامة ساحرة، كنت أستغرب شر الفتاة التى حكت لى عنها وأقول لنفسى كيف نفذ الشر إلى نفوس الصغار على هذا النحو؟

 

كنت أرى الحل فى خطوتين الأولى أن تساعد أطفال آخرين لديهم مرض السكرى، وتمنيت لو تم تفعيل دور الجمعية الموجودة للأطفال المصابين بالسكرى حتى لا تكتفى فقط بالرحلات، وتمنيت أيضا أن تشغل هذه الطفلة تحديدا دورا قياديا داخل الجمعية لأن البنت لديها قدرات هائلة وتستطيع أن تساعد الأطفال الآخرين فى استخدام الجهاز وأن تشرح لهم كيفية التعايش اليومى مع المرض. وهو ما كان سيساعدها فى بناء ثقتها بنفسها وتحسين صورة الذات لديها والتى تدنت بشدة نتيجة التفاعل مع زملائها فى الفصل.

 

والخطوة الثانية كانت فى مفهومها عن الله، وهو ما حاولت أن أقرأ عنه، وكيف يتشكل مفهوم الطفل عن الله، ولم أجد أى مصادر بالعربية موجهة للأطفال، كل ما هو متوافر بالعربية مجرد قصص تقليدية عن الأنبياء وحكاياتهم، فى حين وجدت مناهج كثيرة بالإنجليزية تتحدث عن مفهوم الطفل للذات الإلهية وعن الروحانية، وتهتم ببناء العلاقة معه. وحاولت قدر الإمكان أسلمة القصص لأنها موجهة للطفل المسيحى. هناك تقصير شديد فى الإنتاج الموجه للطفل باللغة العربية، وتعرفه جيدا الأمهات التى لديها وعى بالجانب النفسى والمهاراتى للطفل والمهتمة بتنميته عبر أدوات وقصص وكتب أجنبية. هذه الطفلة التى تعتقد بشدة بأن الله لا يحبها تحتاج أن تتعلم كيف تتواصل بحميمية مع الله وكيف تحدثه ببساطة، ذلك المنهج البسيط المنشور على الانترنت يحاول تشكيل وعيها ويعلمها كتابة رسائل إلى الله وبث همومها إليه بشكل مباشر، المنهج عبقرى ونحتاج فى ثقافاتنا إلى مناهج مماثلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved