ثلاث دلالات ليوم ٢٥ أبريل
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الإثنين 2 مايو 2016 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
أخشى أن يفقدنا الجدل الدائر حول مظاهرات ٢٥ أبريل الفرصة لتأمل دلالاتها بشىء من التروى والموضوعية. المسئولون عبروا عن ارتياحهم بما اعتبروه فشلا ذريعا لدعوة التظاهر التى أطلقها عدد من الأحزاب والقوى السياسية، واستندوا فى ذلك إلى اقتصار عدد المتظاهرين على بضع مئات قليلة، بينما غلب الهدوء على الشوارع والميادين فى سائر أنحاء الجمهورية. أما القوى الداعية للتظاهر فقد اعتبرت أن ما حدث لم يكن فشلا بل نتيجة لنجاح الدولة فى التضييق على حرية التعبير والتظاهر ودليلا على خشية أجهزة الأمن من اتساع نطاق الاحتجاج. ولكن الواقع أن مظاهرات هذا اليوم ــ برغم قلة عدد المشاركين فيها وغياب رموز المعارضة عنها ــ لها ثلاث دلالات بالغة الأهمية وتستحق بعض التأمل والتدبر.
أولا: أن اقتصار المشاركة على بضع المئات فقط وغياب القيادات الداعية للتظاهر لا يعنى أن الرأى العام قد قبل اتفاق ترسيم الحدود بين مصر والسعودية بشأن جزيرتى «تيران» و«صنافير»، وأن القضية قد انتهت ولم يتبق سوى إقرار البرلمان لكى تعود الأمور إلى سابق عهدها. فالحقيقة أن قضية الجزيرتين لن تنقضى بهذه السهولة وسوف تظل تؤرق الدولة إذا لم يتم التعامل معها بشكل مختلف. وأعود للتأكيد على أننى غير متخصص فى الموضوع وليس عندى ما أضيفه إلى جوانبه القانونية والفنية التى تناولها الكثيرون بالتأييد أو الرفض. ولكن الأكيد أن سوء إدارة هذا الملف وغياب الشفافية المطلوبة فى موضوع بهذه الأهمية وتجاهل الرأى العام قبل الإعلان عن نتائجه، كل هذا لن يجعله ينقضى بمجرد إقرار البرلمان للاتفاق، بل قد يضيع المزيد من مصداقيته إذا أصرت الدولة على الحصول على إقراره ودعمه. ولذلك فلا بديل على المدى الطويل من عرض الملف بأكمله على لجنة قانونية متخصصة من البلدين، تدرس الموضوع بموضوعية وشفافية، وتستعرض جميع جوانبه، ثم تنتهى إلى رأى ملزم للجانبين، ولكن فى إطار من الشفافية والمصداقية الذى يجعله مقبولا أيا كانت نتائجه.
ثانيا: أن الإجراءات الأمنية التى بدأت قبل يوم ٢٥ أبريل ولا تزال مستمرة حتى الأن ربما تكون قد نجحت فى اجهاض الدعوة للتظاهر، ولكنها أيضا جعلت الدولة تبدو شديدة الاضطراب والقلق وغير مستعدة لتقبل مجرد احتجاجات محدودة وسلمية. هذا التدخل الأمنى الذى أفضى إلى القبض على المئات، وبدء سلسلة جديدة من التحقيقات والمحاكمات، وحصار ثم اقتحام لنقابة الصحفيين، وتصعيد غير مبرر مع نقابة المحامين، جاء فى موضوع يثير الكثير من القلق فى الرأى العام لأن المتهمين هذه المرة هم رافعو الأعلام المصرية. ومرة أخرى فإن رد الفعل الأمنى غير المحسوب لن يؤدى إلا إلى المزيد من التوتر والانقسام.
ثالثا: مع كل ما سبق فإن إحجام الناس عن النزول وعدم استجابتهم للدعوة للتظاهر لم تكن بسبب التدخل الأمنى وحده، بل الأكيد أن تجربة السنوات الخمس الماضية وما جلبته من تقلبات فى الحكم ومصاعب فى الحياة اليومية دون أن تسفر عن مكاسب ملموسة لا اقتصاديا ولا سياسيا، تجعل الناس اليوم أكثر توجسا وترددا من المشاركة مرة أخرى فى التظاهر والاحتجاج، خاصة مع غياب تصور واضح لما يمكن أن يحدث بعد ذلك أو حتى للمطالب المرجو تحقيقها. وهذا تطور، فى تقديرى الخاص، إيجابى لأنه لا يعبر عن يأس أو استسلام. ولا عن قبول للأوضاع الراهنة، وإنما عن وعى متصاعد وتغير هام فى أسلوب الجماهير فى التفاعل مع القضايا المطروحة.
نحن إذن أمام وضع جديد، أهم ملامحه أن الدولة تبدو عاجزة عن حل مشاكل المجتمع الاقتصادية والسياسية وغير مستعدة لفتح أبواب الحوار والتشارك فى صنع القرار، والأحزاب والقوى السياسية التقليدية أكثر عزلة عن المجتمع، بينما الشباب لا يزال راغبا فى التغيير ومتمسك بحقه فى أن يصنع مستقبله ولكن غير مستعد للدخول فى مغامرات غير محسوبة العواقب بل يبحث عن صيغ وأطر جديدة تتجاوز مجرد حالة الاحتجاج.
فهل تدرك الدولة أن الفرصة لا تزال متاحة لفتح أبواب التعبير والمشاركة السياسية أمام هذا الشباب الحريص على مصلحة البلد، والراغب فى التغيير السلمى، والمدرك للتحديات التى يتعرض لها الوطن؟ أم تستمر فى تجاهله ودفعه إلى مسارات أخرى؟
***
مع خالص التهنئة بعيد تحرير سيناء وعيد القيامة المجيد وعيد شم النسيم، والتمنيات بالمودة والوئام بين أبناء الوطن الواحد، وبالحرية لكل أصحاب الآراء الحرة والمستقلة.